ثلاثون حكاية من الزمن العربي، ذلك الزمن الذي يمرُّ عليهم أشتاتاً في الجاهلية، لينطلق بهم في رحى الإسلام إلى القوة والنفوذ والسيطرة، ثم إلى النزاع والتناحر والتفكك، ثم إلى لا شيء يستحق أن يقال من الوجود الذي لا معنى له. وهذا الذي جعل الانتماء إلى العربية انتماء إلى قدرٍ لا فرار منه عوضاً أن يكون انتماءً إلى عرق أو جنس كما يقول المنسي قنديل في مقدمة كتابه هذا.

يستثمر محمد المنسي قنديل ضلوعه بكتب التاريخ ليفرد من بينها حكايات تشي بشيءٍ مختصر عن الصيرورة التاريخية العربية وشيء من أسباب نهضتها وآخر دفع بها إلى ما وراء الوراء.

من السهل أن يتخيل الروائي؛ لأن الخيال ـ خاصة ـ أداته السحرية التي يعتمد عليها قوام عمله كسمتٍ طبيعي لموهبته؛ لكن من الصعب إلا على المبدع أن يحشر تفاصيل متخيلة جعلت من القصة الواقعة حقيقةً نسيجاً واحدة كأنها بالفعل حشيت بما دفقه في داخلها. وكان قنديل كذلك.

هذه تجربتي الثانية معه بعد " يوم غائم في البر الغربي " وكان هنا متجلياً أكثر بلا شك. أعجبتني قصة عنان وآلمني جلدها بالسياط من النطافي. كما أن غواية يزيد بن عبد الملك كانت مدهشة للقارئ كما هي للخليفة العاشق. في ثورة الرشيد على البرامكة يختار قنديل السبب الذي يراه منطقياً في تلك الثورة، رغم الروايات التي حملت حملته تلك إلى أكثر من وجه. كما أنه يعيد تلك اللحظة التي سبقت مقتل أبي مسلم الخراساني بحذافير الحياة ليجعلنا نعيشها على صفيح ساخن، ثم يطوف بنا أزقة الأندلس، وعماراتها، وإمارتها ودولها، وصولاً إلى الفاطميين، والمماليك في مصر، شجرة الدر، حلوى أم علي، الأتراك، الفرنسيس، إلى الاستعمار وسك أول جنيه مصري.

رحلة أدبية ماتعة مدعمة بإضافات تاريخية نافعة. أوصي به.