الدفتر الكبير > مراجعات رواية الدفتر الكبير > مراجعة A.Rahman

الدفتر الكبير - أغوتا كريستوف, محمد آيت حنا
أبلغوني عند توفره

الدفتر الكبير

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

تقنية السرد كانت موفقة جداً، الرواية تجري على لسان "التوأمين"، لذا فهما يتحدثان بصيغة ضمير المجموع، أتخيل أن أثر ذلك كان أوقع في اللغة الأصلية التي تُرجمت عنها الرواية، في هذه الحالة، حتى حينما يشار إليهما، لا ندرك أنهما مثنى، يظلا جمعاً. مع "نحن فعلنا، نحن قمنا، نحن ذهبنا"، من يوجه لهما حديثاً في الرواية يكلمهما بصيغة المجموع، أنتم، فعلتم، ذهبتم. أفاد هذا الرواية لأنها مروية على لسان اثنين من السوسيوباث sociopath، بحسب الطب النفسي، فهي علة عاطفية تجعلهما غير قادرين على التصرف كبشر –مثل أغلب البشر الافتراضيين، إنهما، بالنسبة للآخرين، عديمي المشاعر وغير قادرين على الإحساس بالندم أو الذنب. أفلحت الكاتبة في خلق هذه الشخصيات، بشكل، من رأيي، يتفق مع التصور السيكولوجي عنها، أما عن تقنية السرد، والتحدث بصيغة المجموع، فقد أفلحت في خلق انطباع عن هذين بأنهما غير بشريين أصلاً. لقد نزع "ضمير الجمع المتكلم" عنهما أي صفة بشرية، إنهما متحدان معاً في كينونة تتحدث عن نفسها طوال الوقت بـ"نحن فعلنا"، بطريقة آلية، باردة ومخيفة، فصيغة المتكلم الجمع مرتبطة في أذاهننا بحديث "ذوات" عليا أو أشخاص السلطة، أو، بالأحرى" شخصية اعتبارية" ليس لها روح على الاطلاق.

الطفلان كانت لهما إرادة السوسيوباث من البداية، لقد احتقرا الألم والضعف والخوف والجبن، وأي مظاهر أخرى للضعف البشري، وقررا أن "يتعاليا" على المجموع. بتدريبات شبه عسكرية ساهمت في نزع الصفات الآدمية عنهما وتجريدهما، ولأنها الرواية عن مأساة القارة الأوروبية المنكوبة في الحرب – لعلها الحرب الثانية-فقد كان التوأمان كمرآة عكست الويلات، والقبائح، والانحرافات، والتمارين التي قاما بهما ذكرتني بعملية العسكرة التي يمر بها الجندي إبان الحرب، كي يستطيع أن يردي ويقتل دون تردد. إنهما معاً يمثلان كينونة تمثّل "الجنون في الجماعات" الذي يصيب الشعوب في الحروب. ويرويان قصصاً لأفراد يأتون بأفعال شر تافهة وصغيرة وشديدة الوضاعة، كأن الكاتبة أرادت أن تضع التوأمين في كفة، والقرية التي تدور بها الأحداث في كفة أخرى، القرية مليئة بقصص فردية، عن انحرافات كل فرد على حدة، أما التوأمان، فيمثلان الشر الجماعي، المخيف، منزوع الإرادة، والآدمية، عديم الصفة الشخصية، الذي للحرب، والذي يتم وصفه أحياناً بالشر الضروري. فلم أشعر طوال القراءة أن لأي من التوأمين شخصية، ويصعب عليّ تخيل أي شخصية لأحدهما دون الآخر، إنهما، كما يحدث للفرد في ظروف قمعية، أو في حمية جنون جماعي، أو في وسط كتيبة من عساكر تنهب قرية أو تحرق أو تدمر أو تنتهك، منزوعي الفردية والإنسانية، مجردان من الإحساس بالندم أو الذنب، وقد ألغي نظامهما الأخلاقي.

أفراد القرية جميعاً يملكون ما لا يمتلكه الأخوان، أي الروح، أو الشخصية. وخطاياهم نابعة عن أرواحهم الضالة، فالجدة تحترق داخلياً بالحقد والغضب على ابنتها التي أهملتها، والابنة تخلت عن أمها وهاجرت من القرية، وبقية الأفراد بلا استثناء يرزحون تحت خطايا الشهوة والجشع والكسل. أما التوأمين، فلا أملك تفسيراً لشرورهما، سوى أنهما مرآة تعكس هذا المجتمع كله، كل "النعاج" الضالة التي حينما تنفرد بنفسها ترتكب شروراً نابعة عن الحقد أو الحسد أو الغل أو الشهوة أو القسوة أو الاستئساد، أي الضعف البشري، مثل الخادمة التي قرّبت رغيفاً من الخبز للمُرحّلين إلى المحرقة، ثم ابتسمت وأعادت الرغيف إلى فمها "أنا أيضاً جائعة"، في حين أن التوأمين لا يأتون بهذه الأفعال النابعة عن الضعف، بل أنهما لا يستأسدان على الطفلة ضحية الإستئساد الأولى في القرية. حينما انعكست صورة هذا الشعب الضال في التوأمين، ظهرت الحرب، كجريمة جماعية.

تنتهي الرواية بأحد التوأمين ينفصل عن الآخر عابراً الحدود إلى البلد المجاور، وهذا يعني، في رأيي، بداية "الحكم عليهما"، لقد انتهى اتحادهما، وانتهت حالتهما ككينونة عديمة الروح والشخصية والصفة البشرية، ولعل انفصالهما يعني أن كل منهما في طريقه لأن يكتسب روحاً، هذا لا يعني بالضرورة أن شرّهما سوف يتوقف، أو أنهما لن يعودا سوسيوباثيين. إننا طوال الرواية، رغم بعد الفترة الزمنية منذ بدايتها وحتى نهايتها، لا ندرك لهما سنّاً، ولا يمكننا التكهن، فنحن نعرف أنهما قد "كبرا"، ولكن هل صارا رجلين؟ لا يصدر عنهما أي رغبة أو إرادة بشرية، يمكن أن تدلّ على المرحلة العمرية التي صارا فيها. مخلوق متحد بهذا الشكل، من الصعب معاملته كإنسان، وبالتالي، من الصعب محاكمته، أو محاسبته، أو مساءلته نظرياً، كأنهما ليسا إلا مفهوم أو فكرة أو كابوس مرعب أو مشهد بشع من الحرب، وأتخيل أن الرواية قد انتهت بهذا الشكل لتدل، على الأقل، أنهما قد اقتربا خطوة من الصفة البشرية، وأن حسابهما سوف يبدأ من الآن فصاعداً.

Facebook Twitter Link .
11 يوافقون
5 تعليقات