ترى ما لون الطلاء الذي كسيت به غرفة لويس الرابع عشر؟
وما طبيعة أمواس الحلاقة التي استخدمها الإسكندر الأكبر؟
وكم تعداد الفيلة في الهند في زمن شاهنجاه؟
وأين (طوبة) سنمار في برج خليفة التي إن زحزحت من مكانها سيتكبكب بسببها بنيان ناطحة السحاب؟
موراكامي لم يسأل أياً من هذه الأسئلة..
لكنه يتوقع أن واحداً من ضحايا عصر المعلومات سيتفزه سؤال عن (منهجية ضرائب الدولة العثمانية)..
وهذا بالضبط ما جعل بطل الرواية ينساق للمكتبة الغريبة ..
البطل، شاب بلا اسم، وبلا وطن، وبلا ملامح..
ينبجس –هكذا- ليعبّر عن أي فرد ينتمي لهذا الجيل ذي اللون الواحد والشكل الواحد والحبر الواحد..
المهووس باللهاث وراء نزواته المعرفية، وصناعة نظرياته الخاصة..
يدخل المكتبة الغريبة..والتي هي -أيضاً كما الانترنت- تبدو متوفرة في كل مكان..
يدخل ليفاجأ بحارس المكتبة يقوده في دهاليز لم يكن يصدّق بوجودها..
سراديب في ظلمات بعضها فوق بعض، مثل روابط المواقع.. كلما دخلت برابط قادك لمتاهة أخرى من أشباهه..
فيكتشف شيئاً فشيئاً أنه ينقاد –طوعاً- لزنزانة يتحكم بأقفالها أمين المكتبة الذي يتلذذ بافتراس أدمغة الصبية، ويتمتع بها، خصوصاً، حين تكون متخمة بالمعلومات..
هل قلتَ يفترس الأدمغة؟
نعم يفترسها..
حسياً لا معنوياً..
موراكامي لا يعبث.. إن حارس المكتبة الغريبة متوحّش، توحّش المدنية الحديثة..
رغم أن المكتبة يفترض أن تكون مساحة للسمو الفكري والحوار الباذخ.. إلا أنها عند موراكامي كالباستيل، موحشة ومقفرة..
يسخر موراكامي بشلالات الحبر التي سالت في وصف طبائع المجتمع التكنولوجي، الذي سيكسّر حدود المعرفة، ويحرر الفكر الإنساني من ظلمات الانغلاق، بفضل قدرات التواصل التقنية الفائقة.
موراكامي يزعم أن النهاية ليست سوى سراب.. لا شيء سوى الوحدة الخالدة..
الوحدة تتسيّد الموقف عند البطل، الذي قد يحمل كل اسم، البحث وراء "المعلومة" تقوده لأن يكون فريسة..
"المعلومة" تتشكل في الرواية بصورة فتاة فاتنة لا تتكلم، إنها مخلوق سحري يريد التحرر من الزنزانة.. تتسللّ للبطل كل ليلة، أحياناً بتغنج، وأحياناً بلا لون، من غير أن يدرك وجودها أحد..
مثل كل شاب يأوي لفتنة الانترنت، مرة بوقار، ومرات بافتنان، ظلت الفتاة لغزاً يعبث بمشاعر البطل ويُسكبها هو طيف الجمال والغموض..
رواية ممعنة في الرمزية والسخرية، لا تمتص مشاعر القارئ، إلا إن كان غارقاً في الوحدة..
الوحيد سيتألم بسببها جداً..