كانت هذه الرواية علي قائمة قراءاتي منذ مدة طويلة ، ولكني كنت أقوم دائما بتأجيلها بسبب هذا الحجم الكبير الذي يزيد عن سبعمائة صفحة.
أول مرة قرأت عنوان الرواية خيل لي أنها رواية من روايات الخيال العلمي حيث غزو فضائي و أسلحة تطلق أشعة الليزر ..... إلخ ، حيث لم أكن أعرف عن باراجاس يوسا أية معلومات حينئذ.
الرواية تتحدث عن لعبة السياسة والدين و الحرب و الإعلام و رجالاتهم و صراعاتهم مع بعضهم البعض.
المكان الرئيسي الذي تدور فيه أحداث الرواية هو البرازيل ، ذلك البلد الغني بالتنوع و إختلاف الأجناس ما بين أوروبيين ممن إستقروا فيها أيام الإحتلال البرتغالي و أفارقة ممن أتي بهم البرتغاليين كعبيد و هنود من سكان البلد الأصليين و مخلطين بين جنس و آخر ، و المدينة هي (كانودوس/بيلومونته) الواقعة في ولاية (باهيا) في الشمال الشرقي للبلاد ، و الزمن هو نهايات القرن التاسع عشر بين عامي 1896 و 1900.
الرواية متعددة الأبطال حيث لا توجد بطولة رئيسية ، لكن الشخصية المحورية في الأحداث هو (أنطونيو كونسيلييرو) الملقب ب (المرشد) ، ذلك الشخص الذي يظن في نفسه قديسا خليفة للمسيح في هذا الزمن ، بعث ليحارب الشيطان الذي يتوهم أنه آتي إلى البرازيل في صورة الجمهورية التي قامت بعد سقوط الملكية ، و الذي يقوم بتحويل (كانودوس/بيلومونته) إلي أرض ميعاد مقدسة (القدس/أورشليم) جديدة تهيئة لها للظهور المزعوم للملك (دوم سباستياو) لقيادة المؤمنين بالمسيح علي الطريقة الكاثوليكية لمحاربة الشيطان و أعوانه من الجمهوريين و البروتستانت و الملاحدة الجديدة و إندحارهم جميعا و إنتشار العدل و الرخاء بين الناس تهيئة ليوم القيامة و إنتهاء العالم في عام 1900.
و في الجانب الآخر يآتي (جاليليو جال) ، الثائر الإسكتلندي الفوضوي الملحد ، الكاره لكل الحكومات و المعادي لكل السلطات سواء كانت سياسية أو دينية ، المحارب للظلم و القهر ، الهارب من أوروبا - لمطاردة السلطات له - إلي البرازيل ، الذي - وعلي الرغم من كونها النقيض لبعضهما البعض تماما - ينبهر بشخصية المرشد و تحديه السافر للسلطات السياسية و الدينية ، و تكوينه لمجتمع لاطبقي في (كانودوس / بيلومونته)، حيث الكل فيه سواسية بلا فروقات ، و حلمه أن يري هذا المجتمع بأم عينيه لكي ينقله إلي بقية أنحاء العالم .
و الصحفي ، ذلك الشخص الجيان الرعديد ، الذي يتحرك دائما بناءاً علي مصلحته الشخصية ، المعاصر للأحداث منذ بدايتها و حتي نهايتها تقريبا ، و الذي يروي جزء كبير منها.
و البارون (كانا دي برافا) ، ذلك الأرستقراطي من عهد الملكية البائد ، الوزير في عهد الملك ، السياسي البارع المحنك و صاحب أكبر الأملاك في ولاية (باهيا) .
و أيضا العقيد (موريرا سيزار) بطل الحرب ضد الجارة (بارجواي) ، و قائد الكتيبة السابعة في الجيس الإتحادي البرازيلي التابع للحكومة المركزية ، صاحب الأمجاد ، المعادي للملكية البائدة و الملكيين ، الكاره للسياسة و السياسيين و الأحزاب السياسية و ألاعيبهم ، المؤمن بجمهورية ديكتاتورية يحكمها أو يسيطر علي مقاليد الحكم الفعلي فيها و يحميها الجيش ، و يبدو هنا - ولا عجب - أن أفكار العسكريين في الدول التي تقوم بتحولات ديمقراطية يتشابه إلي حد يقترب من التطابق.
و يوجد أيضاً العديد من الشخصيات المهمة الآخري من أمثال (أبوت جواو) و (باجو) و ( بدراو) و (جواو الكبير) قطاع الكرق و اللصوص السابقين الذين يتحولون إلي حواريي المسيح المزعوم ، ومعهم (أنتونيو فيلانوفا ) التاجر الذي يتحول ما يشبه محافظ ل (كانودوس / بيلومونته) و يتولي تنظيم و تدبير أمور السكان المتوافدين إليها ، و غيرهم أيضا.
يرسم يوسا بمهارة و إبداع كيف يمكن تحويل مجتمع من المؤمنين بقضية ما سواء كانت دينية أو قومية إلي مجموعة من المهاويس المتعصبين بشدة المنومين مغناطيسيا لإتيان أي أفعال - مهما بدت متهورة أو دنيئة - تبدو في نظرهم طبيعية بل و واجبة أيضا و تخدم الهدف الأسمي الساعين إليه.
لدي يوسا مهارة فائقة في الإمساك بتلابيب و تفاصيل كل شخصية من شخصياته ، و بالرغم من كثرة عدد شخصيات الرواية ، إلا أن كلا منهم مرسوم بشكل دقيق و منفصل و لا يتداخل مع غيره بالرغم من كبر حجم الرواية ، و يظل أثره ظاهرا حتي نهاية الأحداث.
السرد أيضا نقطة آخري مميزة جدا لدي الكاتب ، فيمتاز لديه بالسلاسة و السهولة و ترابط و تماسك أحداث الرواية الطويلة للغاية و عدم ترهلها أو هروبها من بين يديه و إنفلات عقدها
إيقاع الرواية أكثر من رائع ، فهو سريع عندما تحتاج الأحداث إلي السرعة ، و هادئ عندما يحتاج إلي الهدوء.
الرواية أكثر من رائعة و أرشحها بشدة لمحبي الروايات.