كتاب الوحشة > مراجعات رواية كتاب الوحشة > مراجعة طاهر الزهراني

كتاب الوحشة - عبد الله ثابت
أبلغوني عند توفره

كتاب الوحشة

تأليف (تأليف) 2.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

عبدالله ثابت صاحب الوجه المهشم من أثر السقوط ، يصعد في كل حين جبلاً عظيماً ليصرخ فينا عبر أحد إصداراته ، ثم يسقط في وادٍ سحيق فننساه ليصعد مرة أخرى ليكرر الزئير !

هو يحرث الأرض بمخالبه ليخرج لنا لغة أخرى ، هذه المرة أتى كي يخبرنا لم وكيف وماذا إذا سبقت كلمة " أكتب .. " !

أتي عبر هذا الإصدار العنيد المشاكس المتمرد ليخبرنا " أن الكتابة عمل انقلابي " بالفعل وليس ترفا ثقافياً .

أتي ليخبرنا أن الكاتب ساقٌ مسلوخة في مسرح روماني مليء بالوحوش ، والكتابة عين شحيحة في مفازة مرعبة ! أتى هو من الجنوب ملطخٌ بالطين والحناء ، ويحمل فوق رأسه نباتات جبلية عَطِرة ، ساتراً عورته بـ( مصنفٍ) رث أتى ليخبرنا أن الكتابة ليست عملية تغوط معرفي !!!

***

" كائن يقف في الظلام ويقول شيئاً" يهدي كتابه إلى الأرض !

" أكتب هذه الوحشة لأنني حزين بالضرورة " هذه الضرورة هي التي جعلت هذا الكائن يقف ليكتب وهو ينزف فكلماته " حطبٌ وجوديٌ جائع " و " جبهتي منجل والشعر معصيتي وأنا هارب قديم من الأسلاك " وهذا الهارب محارب فج يتحدث ويقول لمن يقف أمامه اعلم " أن كلماتي على ظهري ، وذخيرتي في فمي ، ومن بين أسناني تتواثب سباع نهمة " ، الكتابة بيقين مصنع في داخله " أكتب لأنني موقد ضاج بيقين وهائج وسرمدي والأيام غابة " فهي تحوي توحشي وتقيني من التمدن !

يكتب لأنه مملوء بضجيج الحياة وبهجتها " أكتب لأنني أحب قهقهة الحياة ، أكتب لأنني قرية ومطر ، لأنني سيل " يعدو ولا يدري هو إلى أين ، وهكذا الإنسان عندما يشعر أنه تائه وينظر الى العالمين بعدم ثقة " أكتب لأنني ضال مرتاع ، وما عدت أصدق الجهات ، والنجوم خؤونة ، وهذا هو انتقامي! " ، إنه يشعر في داخله بصدام المشاعر المتناقضة " إنني لا أكتب فحسب ..إنني أرتطم !"

هو يكتب كي يخبرنا كم هو تافه ذلك الإنسان الذي يكتب تحت الظل " أكتب لأنني مجهد ، أكتب كما لو أن في يدي مجرفة ومعولاً ، عاصباً رأسي بلفافة سوداء ، وأحفر سبيلي نحو طينتي "

وعندما يطول الاغتراب يحن الإنسان لموطنه عندما كان جنيناً وخلقاً آخر " أكتب لأنني أريد أن أرجع الى حيث ولدت ، آه ..بيتنا في الجبل ..وحده يؤلمني ، وأكتب كي أعود إليه " ، وهذا الاغتراب سببه أنه مطارد من قبل أشياء في الخفاء ، إنه يخاف قدره يخاف من سياطه التي تقع في أي لحظة قوية مؤلمة مبكية " اكتب بهستيرية جامحة لأني أتحسس شيئاً يأتي من هذا الخفاء " ، ورغم الاغتراب وكائنات الخفاء المرعبة ؛ إلا أن الضعف الذي يعتريه يكسبه مزيداً من البؤس والشقاء " إنني أكتب لأنني ابن شارد ، وأخ منزوٍ ، وأب ضعيف ، وصديق مختفٍ وهجور " !

هو يكتب لأن هناك أمراً لا يدركه الملوث في مدن الإسمنت ، ويفتقر إليه الجالس على مكتبه الفخم في برجٍ عالٍ عاجي ، ولا يشعر به الغارق في وحل الحضارة " أكتب لأن عزفاً ريفياً يعوي في دمي " !

هذه الجمل المصقولة والمسنونة والمشحوذة والمنطلقة بكل قوة نحو أرواحنا هي إجابة وافية لكل إنسان يدرك قيمة الحرف .

***

إن الأيمان والعلاقة مع السماء جعلت للعمل قرباً استثنائياً " اللهم يا الله أرجوك ..خذ بذراعي النحيلة هذه فقد غسلتها من الناس ..خذ بها الى يقين لا يتكلموا عنه ، ولا تفوح منه رائحة الدم والخيانات " ثم كانت خاتمة الكتاب رجاء واعتراف وأمنية غريبة " يا الله حينما خلقتني منجلاً ..ليت أن الطريق كانت سنابل " !

***

أخيراً : إن أجمل عبارة قيلت عن هذا الكتاب الذي لا أستطيع تصنيفه الى الآن ما قاله د . عبدالعزيز المقالح : ( يرسم الشاعر عبدالله ثابت وحشته في كتاب شعري ينتمي الى الحداثة في أصفى حضوراتها وأقربها الى الله والإنسان )

كتاب الوحشة الصادر من دار الآداب لهذا العام، ابتعته من معرض الشارقة الدولي للكتاب وضاع مني هناك فتناقلته الأيدي الجميلة في المدن الجميلة ، فمن الشارقة الى بيروت الى جدة ، ثم جاءني هذا الكتاب كذئبٍ يطارده محارب من الجنوب كي ينهشني !

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق