حول الحرية > مراجعات كتاب حول الحرية > مراجعة إشراق الفطافطة (Ishraq Abdelrahman)

حول الحرية - جون ستيوارت ميل
أبلغوني عند توفره

حول الحرية

تأليف (تأليف) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

كنت قد شاهدت منذ فترة فيلم وثائقي عن ويكيليكس يدعى "We Steal Secrets: The Story of WikiLeaks" والذي تناول فيه نشأة ويكيليكس وجوليان أسانج ثم كيف تعرف على برادلي مانينج وبداية تسريب الوثائق. لست بصدد كتابة مراجعة عن الفيلم ولا التعليق عن الوقائع والرسالة التي حاول معدو الفيلم ايصالها عن هذين الاثنين ولن أتحدث أيضاً عن الجانب الأخلاقي (والذي قمت بكتابة مدونة عن هذا الموضوع!!) الذي شغل عقلي فترة من الزمن لكن لنحاول أن ننظر الى موضوع حرية التعبير أو الحرية المدنية/الاجتماعية والتي تناولها جون ستيوارت ميل في هذا الكتاب في ضوء أحداث ووقائع مثل ويكيليكس وتسريبات إدوارد سنودن من هذا المنظور.

للتأصيل لهذا الحديث سأقتبس من ميل: "أن موضوعه هو الحرية المدنية أو الاجتماعية: أي طبيعة وحدود السلطة التي يمكن أن يمارسها المجتمع بشكل فردي على الفرد." أي الحرية السياسية. من المعروف أن أي فرد يعيش داخل مجتمع أو دولة ما فهو يخضع الى قوانين تلك الدولة والتي يتم وضعها عادة (أقصد في الدول الديموقراطية وليست ذات الحكم الشمولي أو الاستبدادي) باتفاق بين الأفراد والسلطة الحاكمة في هذه الدولة. الا أن هذه السلطات الحاكمة عادة ما تخضع لقيود (يشير لها هنا ميل بالحرية) تنظم حكم هذه السلطة لعموم الشعب والتي قد تكون على شكل حريات أو حقوق سياسية أي خرق لها قد يستدعي التمرد أو العصيان من الشعب أو ضوابط دستورية يتم إقرارها من قبل ممثلين عن الشعب.

هذه السلطة الحاكمة قد تكون وصلت الى الحكم عن طريق تمثيل الأغلبية (النشطة أو الفاعلة) والتي يرى ميل أنها أيضاً بحاجة لتقييد كونها (أ) لأن فعل السلطة غالباً ما يقع على أفراد المجتمع وليس السلطة الحاكمة نفسها (ب) قد تحمل هذه الأغلبية أفكار (شريرة مثل قمع الآخرين) أو ما يسمى بطغيان الأغلبية (ج) الطغيان قد لا يكون سياسي وحسب بل طغيان الرأي حيث يميل المجتمع الى تحويل أفكاره الى قواعد سلوك يفرضها بغير الطرق القانونية.

يرى ميل أن حرية الأفراد مطلقة ومن حقهم السعي وراء تحقيق مصالحهم طالما أنها لا تتعدى على حريات الآخرين أو تسبب إعاقة لتحقيق مصالحهم. ومن هنا إن الحرية الانسانية تشمل:

- المجال الداخلي للوعي، حرية الفكر والضمير والتدين والتعبير عن الرأي،... الخ.

- حرية الذوق والسعي لتحقيق أهداف معينة.

- حرية اتحاد الأفراد لتحقيق أهداف لا تشمل أذى للآخرين.

حرية الفكر والنقاش

أما بالنسبة لحرية الفكر والنقاش فإن ميل ينطلق من مفهومين أساسيين (1) أنه لا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ فبالتالي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب (ما يميز الانسان قدرته على تصحيح أخطائه من خلال المناقشة والخبرة) و(2) لا يوجد شيء إسمه يقين مطلق لكن يوجد ضمانة كافية لبناء منطق سليم يمكن الاعتماد عليه. "في العصر الحالي (الذي يوصف بأنه يفتقر الى الإيمان ولكنه يشعر بالرعب من نزعة التشكك، يشعر الناس بأنهم على يقين ليس بسبب صحة آرائهم وإنما لأنهم لا يعلمون ما سيفعلون بدونها".

لكن ماذا عن حقنا في الإختلاف، أن يكون لدي رأي يخالف العرف العام أو السلوك المتفق عليه من المجتمع؟ سقراط نموذجاً. يرى ميل أن مع تقدم الزمن أصبح القبول بالرأي المخالف أمر لا مفر منه، فلم نعد نرى قتل للملحدين مثلاً أو إيداعهم في مصحات عقلية لعدم إيمانهم بإله الى أنه شجع هؤلاء المخالفين أي يخفوا آراءهم أو يمتنعوا عن إبدائها في العلن بعملية أطلق عليها ميل "التضحية بكامل الشجاعة الأخلاقية للعقل البشري"!

في بحثنا الممض عن الحقيقة علينا القبول بأن الأصل – وبالأعتماد عى قاعدتي عدم العصمة واليقين المطلق – هو تنوع الأراء والابتعاد عن الجمود. إن الديناميكية والتجديد هي الأصل في الاستمرارية وهنا يطرح ميل مثالي الدين والأخلاق وما اعتراهما من حالة جمود (وتنطبق على واقعنا الاسلامي الحالي للأسف إسلام بالوراثة) هي السبب في ابتعاد الكثيرين عنها وافتقارهم الى الاقتناع بها. "في البداية كانوا متيقظين دائماً، إما للدفاع عن أنفسهم ضد العالم أو لاستمالة العالم الى جانبهم، لكنهم تراجعوا الآن الى حالة سلبية تجعلهم لا يستمعون (ان كان بمقدورهم ذلك) للحجج المناهضة لعقيدتهم ولا يقلقون راحة المرتدين عنها (ان كان هناك مرتدون) بالمجادلة في سبيلها. في هذه المرحلة من تاريخ المبدأ يأخذ في العادة بفقدان قوته الحيوية".

الفردية

ماذا عندما تتحول هذه الأفكار الى أفعال؟ يرى ميل أن حرية الأفراد يجب أن لا تضر بالآخرين، فمتى شكلت هذه الأفعال أي أذى فمن الواجب أن يتم ضبطها ومحاسبتها. لكن هذا يجب أن لا يتم على حساب تفرد الأشخاص، فالمجتمعات تتوقف عن النمو عندما تلغى الفردية وتذويب هوية الأفراد في سلوكيات وأنماط تفكير واحدة (قولبة للفكر) تمنعهم من النمو والتطور "وإذا لم يكن هناك تتابع من البشر الذين تعمل أصالتهم المتجددة على الحيلولة دون أن تصبح الأسباب التي تقوم عليها تلك الأفكار والممارسات مجرد أمور تقليدية، فإن المادة الميتة من هذا القبيل لن تنجو من أصغر هزة تتلقاها من أي شيء حي بالفعل". فمع التأكيد على حق الأشخاص بالتفرد علينا التأكد أن هذا لا يضر الآخرين وقد يتم وضع ضوابط للسلوك لكن التعويض يكون بالسماح للآخرين بالتطور أيضاً ومساعدتهم على ذلك.

حدود سلطة المجتمع على الفرد

يرى ميل أن أي شخص يتمتع بميزات وحماية مجتمع ما هو مدين لها بالضرورة مقابل المنفعة التي تحصل عليها وبناءاً على ذلك فإن سلوك الفرد يترتب عليه:

- عدم الإضرار بمصالح الآخرين والتي يكفلها نص قانوني صريح أو التفاهم الضمني.

- قيام الفرد بنصيبه من الواجبات تجاه هذا المجتمع.

ان سلوك الأفراد والذي قد يتسبب بأذى للآخرين دون المساس بحقوقهم الثابتة وفقاً لميل لا يترتب علها أي عقوبة قانونية لكن يمكن أن يتم معاقبته من خلال الرأي وبالمقابل لا يحق لفرد أو جماعة أن تملي على انسان آخر ما يفعله أو لا يفعله على النحو الذي لا يختاره هو لنفسه!!

وأنهي باقتباس هذه الفقرة "إن قيمة الدولة على المدى الطويل هي قيمة الأفراد الذين تتألف منهم. والدولة التي تقزم أفرادها في سبيل أن تجعلهم أطوع لها ستجد – حتى لو أنها أرادت أن تقودهم لأغراض مفيدة – أنه لا يمكن تحقيق أي أمر عظيم حقاً حين يكون الناس صغاراً.... ستجد في نهاية المطاف أن كمال الآلة الذي من أجله ضحت بكل شيء لن ينفعها بسبب الافتقار الى القوة الحيوية التي فضلت أن تنفيها من الأرض في سبيل إمكانية أن تعمل الآلة بصورة أكثر سلاسة".

أعتذر عن طول المراجعة لكن هذا الكتاب من النوعية التي يجب أن تقرأ بالورقة والقلم كما يقولون. قد لا أتفق مع بعض ما جاء به ميل من أفكار وقد تكون جرعة عالية من الفكر الليبرالي لكنه كتاب يستحق القراءة. أكثر شيء أثار استيائي هو ما جاء في التطبيقات أو المجادلة في أن حرية الأفراد في حالات مثل الزنا والقمار وشرب الكحول وحقوق الأفراد المطلقة فيها إن كانت لا تؤثر الا على الشخص نفسه مما لا أتفق معه إطلاقاً، حتى أنني توقفت عن قراءة الكتاب وقرأت كتاب عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل تأصيل فقهي للأفكار التي قرأت عنها في هذا الكتاب!! قال تعالى: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) المائدة 79.

وسأقتبس من الصديقة لونا قول الرافعي "الدّين حرية القيد لا حرية الحرية، فأنت بعد أن تقيد رذائلك وضراوتك وشرّك وحيوانيتك – أنت من بعد هذا حر ما وسعتك الأرض والسماء والفكر، لأنك من بعد هذا مكمِّل للإنسانية، مستقيم على طريقتها" أي تتوقف حريتي عند حدود الله.

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
4 تعليقات