الدفتر الكبير > مراجعات رواية الدفتر الكبير > مراجعة أمل لذيذ

الدفتر الكبير - أغوتا كريستوف, محمد آيت حنا
أبلغوني عند توفره

الدفتر الكبير

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.2
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

رواية (الدفتر الكبير) للروائية أغونا كريستوف،فيها نداء إستغاثة ساخر إلى حد جفاف الدمع،فالكلمات فيها هي طلقات من ذخائر الحرب ،والرواية متغطية باللون الأسود وهو هنا ليس كرمز للحزن وإنما السواد فيها به تمرد،تمرد أرواح إستبدت بها الحرب وعلمتها معنى الخسارة،فالخسائر تعددت وتنوعت من خسارة كسرة الخبز ورشفة الماء إلى خسارة الروح وأيضا خسارة الكرامة،هذه الأرواح قررت أن إنتصارها على الحرب سيكون بالعيش ومنها من إتخذ طرقاً لا ترد على البال في الأحوال الطبيعية،إنها الحياة على نار الحرب!

فالرواية تدور حول قصة صغيرين وتوأمين تربيا في كنف أمهما وهي تظهر لنا في الرواية كعلامة للأمل والحياة في الحكاية،وقد ربتهما على حب العلم وعلمتهما القيم الجميلة وإعتنت بهما كثيرا،فدق ناقوس الحرب ولم تجد من تضع عنده صغيريها سوى جدتهما التي كانت في حالة قطيعة معها،وسنلحظ الإختلاف الجلي بين الأم وإبنتها حيث أن الجدة كانت فجة في التعامل وشديدة القسوة ،وسنعرف بأنهما كانتا في حالة وخلاف كبير،إنها الحرب التي جعلت الأم الرحيمة تسلم إبنيها لإنسانة صارت بعيدة عنها مكانيا وقلبيا،فالجدة في القصة هي علامة للوجه القاتم من الحياة وهو الحرب،ومن بعد هذه التسليم من قبل الأم سنشهد على زيارة منها لصغيريها ولأمها وأيضا بعض رسائلها وهي مثل زيارات الأمل في وطأة الحرب،وهذا هو الموضوع الظاهري للرواية...

أما الموضوع الضمني،فهو يصدر من التوأمين لإنه عن إنتهاك الإنسانية ومنها الطفولة، فكانا يضعان تمارين تساعدهما أو تؤهلهما للعيش في ظل رعونة محيطهم،فجدتهم هي أول من بدأ في ظلمهما ومن ذلك اليوم قررا أن يتأقلما مع بيئتهما الجديدة وأن يوطنا أنفسهما على مفاهيم مغايرة،إنها مفاهيم للكبار خبرة بها في الحروب ومنها اللامبالاة و ظلم النفس و النفعية لأقصى حد ،فأبرحا نفسيهما بالضرب حتى لا يؤثر فيهما ضرب جدتهما،وقاما بالصيام أو بتجويع أنفسهما حتى لا يتألما كثيرا كلما لمحا جدتهما تأكل الدجاج وهي تبخل عليهما بالطعام،وتوجها للعمل في مهن غريبة،فعملا في الصيد والقنص والزراعة وقد إتخذا أساليب غير إعتيادية للقيام بها،وأيضا مارسا الفن والتسول ،وأهدافهما لم تكن كلها مادية ،فهما كانا يتأملان ويتعلمان من تجاربهما،وأثناء ذلك كانا وبدافع الفضول وبدافع الإستماتة في العيش يراقبان تصرفات جدتهما وتحركاتها ويكتشفان أسرارها،فصنعا مفتاح مطابقة لمفتاحها وبات منزلها ساحة لعب ذكية لهما ولتمارينهما العجيبة،فإكتشفا مخبأ كنزهما وحفظا طقوسها وأيضا قصة جدهما وموته في سن صغير،وتعرفا على ابن جيران ضيعتها ظروف الحرب وإهمال والدتها لها،وصارا يتتبعان هذه الفتاة ويساعدانها على حماية نفسها وإسترداد حقوقها ،فقد تبين لهما بأن هذه الفتاة التي كانت تبدو في قمة الفظاظة كان الصبية يتنمرون عليها وكانت تُظلم وهي تجهل ذلك وتجهل أيضا كيف تصد ذلك الظلم،ومن ثم كان هناك "الخوري "الذي أمسك التوأمان بدليل يدينه وهدداه بفضح أمره بعد أن همست لهما الجارة الصبية بحكايتها معه،وهذا الخوري الذي طلب منه التوأمان أن يزودهما بالكتب ،فعرض عليهما قراءة الكتاب المقدس وإستغرب بأنهما قرآ الكتاب مسبقاً،وإذا بخادمة الخوري والجندي الذي يسكن في منزل جدتهما تنشأ بينهما علاقة غرامية،هذا الجندي الذي يمثل الغزو وهذه الفتاة التي تظهر البراءة،كل هذا يدور في الوطن والتوأمان يسجلان في عقليهما كل المفارقات ويدرسان من الكتب التي إمتلكاها بالحيلة وحتى المال الذي حصلا عليه لاحقا كان بالتحايل على جدتهما وعلى من تعاملوا معهما،فذكائهما هو الذي مهد لإستمرارها في خداع الحرب و التعايش معها،وهما أيضا من رفض الإلتحاق بالتعليم وفضلا البقاء مع جدتهما،وحينما عاد والدهما لم يرغبا في الرحيل معه ،ومكثا مع الجدة التي طلبت منهما طلبا نفذاه على أتم وجه لينطلقا في رحلة هروب آخر خطوة منها في أكبر مفارقة في الرواية!

طوال الوقت الذي كنت أطالع فيه حروف الرواية ،كنت منقسمة إلى قسمين،قسم يريدها أن تنتهي لإني أريد للحرب أن تذعن لرغبتي فتتوقف ،وقسم مني كان يلاحق الكلمات ليعرف ماذا سيحدث وما هي دوافع تحركات التوأمين،وجدت في داخلي توأم من الأفكار،شق مني لا يقبل أن تأخذ الطفولة من الصغار عنوة و لا يرتضي أن تحرم الأم من أولادها و لا يريد أن تتلاشى الإنسانية،وشق ينذهل مما يخزنه الأطفال عن الحروب بالرغم من كل إدعاءات الكبار بأنهم يحاولون أن يحجبون فظائعها عنهم ،هنا الأكاذيب مفضوحة وبأسلوب يمثل مدى قسوة ما يمر به الأطفال وكذلك المآسي التي تحدث للنساء والرجال،فهناك حالات الإغتصاب الجسدي والنفسي التي تحدث للنساء،وبالنسبة للرجال هناك غياب الكرامة و فداحة القتل وغربة النفس عن ذاتها،ولعل الكاتبة إختارت أن يكون أبطالها من الأطفال والنساء لإظهار مدى قبح الحروب ،وربما كان إختيارها للتوأمة في البطولة الرئيسة لنفكر بالتوابع المترتبة على الحروب ولننشعر بمعاناة من تفقدهم الحروب الكثير من موتهم وموت أحبتهم وربما أيضا كما في بعض الحالات موت النخوة....إنها رواية مفزعة لواقع مفزع أكثر منها! المحرر قد يصبح محتل وكذلك قد تفرق الحياة الإخوة مهما حاولت الأمهات منع ذلك!

رواية (الدفتر الكبير) للكاتبة أغونا كريستوف،لم يروها أطفال وهم يمرحون في بيوتهم الخيالية وإنما روتها شجون صغار كافحوا ليعيشوا!

Facebook Twitter Link .
7 يوافقون
2 تعليقات