ترنيمة سلام > مراجعات رواية ترنيمة سلام > مراجعة A.Rahman

ترنيمة سلام - أحمد عبد المـجيد
تحميل الكتاب

ترنيمة سلام

تأليف (تأليف) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
1

غالباً هذه هي رواية "الرجال الذين يحدّقون في الحمائم"، على غرار عنوان الفيلم - والكتاب - "الرجال الذين يحدّقون في الماعز"، كتاب المعيز هذا يحقق في مسألة محاولات الجيش الأمريكي الاستفادة من مفاهيم "العصر الجديد" لأجل أغراض الحرب أو القتل أو الانتصار على العدو، وهكذا كانت الرواية، أعني أنها "نيو إيدج" للغاية، ليس عيباً أن تُكتب رواية تعالج مصائب قوم ما - أو رجل ما - ولكن ما لم يعجبني كيف وضع هذا كله في إطار من قصص النجاح أو التنمية الذاتية، لدرجة أنني أكثر من مرة كنت أتساءل أثناء القراءة إن كان غرض الكاتب من هذا كله قلشة ظريفة على موجة "النيو إيدج" في الأدب، وهذه تتراوح بين الأعمال التي تقع في نطاق المُحتمل إلى الأعمال شديدة الرداءة - لنتخيل مقياساً يمتد من خالد الحسيني إلى باولو كويلو - مشكلتي مع النيو إيدج أنه يسرد - غالباً- تجربة ليست بالتجربة حقاً، طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة بلا شك، ولكن ما العمل اذا كان ما يحتمله مجرد "زودو- تجربة" أو Pseudo-temptation، لدي مشكلة عميقة مع النمط الفكري الذي يقدمه هذا الاتجاه في الفلسفة، والعلم المزيف، والسايكولوجي المزيف، وبشكل خاص في مبدأ أن الأفراد يجتذبون إليهم نوائبهم وحظوظهم، بشكل عبّر عنه دان براون في رواية "الرمز المفقود" على ما أذكر، وأجده قد بدأ يتردد كثيراً في الروايات، هنالك كذلك مبدأ لم يعجبني وهو أن التعاسة والمعاناة علامة على أن الأفراد يسلكون طريقاً لا يناسبهم، حسناً، إن المعاناة دليل فقط على أن الطريق غير معبّد! لقد تعجبت قليلاً لجوهر هذه الفلسفات - التي تقبس أو تتمسّح ببعض من الديانات الشرقية- يعني هي عبارة عن خليط أسوأ بكثير من أكثر الفلسفات الثنوية تطرفاً، إنها لا تتمسك بموقف صارم من شر مملكة هذا العالم وخير مملكة السماوات، هي عبارة عن منجز فكري "طري" من التناقضات الفكرية، ولكن النيو إيدج عبارة عن محاولات توفيقية لعدد من المدارس والفلسفات والديانات، مما يجعل لها نتيجة متهافتة في الغالب، كما يصفها أمبرتو إكو في مقالته عن الفاشية:

"في حوض البحر المتوسط، أناس من أديان مختلفة ( أكثرهم كان البانثيون الروماني متسامحاً معه) أخذوا يحلمون بوحي كان قد نزل في فجر التاريخ الإنساني. هذا الوحي، وفقاً للتصوف التقليدي، قد ظل لزمان طويل مخفياً وراء حجاب اللغات المنسية- في الهيروغليفيات المصرية، وفي الرون الكلتي، وفي مخطوطات أديان آسيوية مجهولة.

هذه الثقافة الجديدة يجب أن تكون توفيقية، التوفيقية لا تعني فحسب، كما يقول القاموس، "دمج أشكال مختلفة من الممارسات والعقائد"، هذا الدمج لابد وأن يتساهل مع التناقضات. كل من الرسالات الأصلية تحتوي على قبس من الحكمة، وكلما بدت واحدة منها متناقضة أو توحي بأشياء غير متكافئة، فذاك لأنها كلها تشير مجازياً لنفس الحقيقة الأوليّة.

ونتيجة لهذا يتعرقل التقدم العلمي. فالحقيقة قد نُطق بها بالفعل، من قبل، وليس ثمة جديد، وكل ما يمكننا فعله هو تفسير رسائلها المبهمة.

يمكن للمرء أن يتأمل مناهج كل حركة فاشية وسوف يجد مفكرين تقليديين عظام. الغنوصية النازية تم تغذيتها بعناصر تقليدية، توفيقية وسرّانية. المصادر النظرية الأكثر تأثيراً لسرديات اليمين الايطالي الجديد، يوليوس إفولا، مزجت الكأس المقدسة مع "بروتوكولات حكماء صهيون"، الخيمياء مع الامبراطورية الرومانية والجرمانية المقدسة. والدليل الدامغ على الطبيعة التوفيقية لليمين الايطالي الجديد هو "تفتحه الذهني" واستيعابه في المنهج نفسه أعمال دي ميستر، غينون، وغرامتشي.

إذا بحثت في أرفف المكتبات الأمريكية المعنونة بـ"العصر الجديد"، سوف تجد سان أغسطين، والذي لم يك، على حد علمي، فاشياً. لكن الدمج بين سان أغسطين وستونهنِج - هذا يعتبر عرضاً من أعراض الفاشية المحضة."

هكذا، الصوفية وحدها - الممثلة في الرواية بهذه الصفحات الكثيرة التي ليس فيها إلا اقتباسات للحكم العطائية ثم قص ولصق لشرحها، الصوفية وحدها ليست بهذا السوء، ولكن التهافت يظهر حينما يتم توفيقها واستغلالها في "شوربة" النيو إيدج الجديدة، ونجد موجات احياء لكتب الحكم العطائية وقواعد العشق الأربعون لأجل عصرنة "الحكمة القديمة" في اطار "كوول" من قصص النجاح والتنمية الذاتية، الجوهر متهاوي لأنه يعتمد على مبدأ شديد الرجعية لأجل الوصول لهدف تقدمي، وكذلك لأجل تبيان أن الحكمة تختار ناسها، وأن الأفراد الذين يصلون إلى "السمو الروحاني" مختارون، في مرتبة أعلى من بقية معارفهم، بالطبع، بعد أن "غفروا" لهم اساءاتهم.

لو اعتمد الكاتب على الصوفية وحدها لما ظهرت علل النيو إيدج، ولكنه دمجها مع الحكمة الشرقية، والتأمل الشرقي، فيذهب البطل إلى الحرم لأجل أن يخوض "تجربته" أو رحلة تساميه، ويلتقي بمعلم هو أقرب للغورو، أو الهندي/الباكستاني السحري، البطل لا يدري جنسية معلمه، لكنه يفترض أنه إما هندي أو باكستاني، وهي تنويعة ليست بعيدة عن كليشيه "الزنجي السحري" الذي ظهر -على سبيل المثال لا الحصر - في مسلسل الخواجة عبد القادر. (الذي يمكن اعتباره ضرباً من ضروب النيو-إيدج كذلك). فالمبادئ الصوفية يتم ابتذالها بشدة في اطار كوول يعجب المبتدئين، في حين أن نسختها الأصيلة والحقيقية قد لا تعجبهم أو قد تثير حفيظتهم، الأكبر ابتذالاً وزيفاً هو أن يتابع البطل تدريباته ودورسه التأملية شبه البوذية في الحرم، لو كان البطل قد سافر لبلد شرق آسيوي وفعلها في معبد بوذي لكان ذاك محتملا وصادقا وواقعياً، ولكن أن يلتقي بالغورو الخاص به في الحرم بعد أداءه العمرة فهو ما يعتبر تلفيقا درامياً غير محتمل، وفيه "حشر" وزج وتلزيق وعكّ عجيب، هذا عدا أنه "كليشيه" من أوله، أعني أن يذهب البطل ليجد "تطهره" الروحي في مكان ديني أو مقدس، برغم أن الروايات التي تنشد كاثارزس أو معالجة درامية معقولة سوف تجعل البطل يجد ضالته في أكثر الأماكن استبعاداً وأقلها قدسية. ولكن، من جديد، أليست هذه مبادئ النيو إيدج؟ فالحكمة قديمة وقد نطق بها بالفعل، وهي بالطبع ليست موجودة إلا في الأماكن المقدسة، اللي هي أماكن لأجل الحكمة والتسامي والتعالي على مملكة هذا العالم، وليست مجرد أماكن للعبادة تستوعب وترحب وتمنح عطاءها للجميع على حد سواء، دون تفرقة، المقدس منهم والدنس. ثالث نقطة لم تعجبني بخصوص تواجد البطل في الحرم هو اقامته التي لم تكن إلا تنطعاً، فقد ساءتني الجُرسة التي سيضعنا فيها الكاتب أمام أصحاب الملل الأخرى حينما يجدون بطله مع الغورو المسلم الخاص به متنطّعين في الحرم لا يفعلون شيئا إلا التحديق في المعيز، أقصد الحمائم، والأشجار، والبطل ينام لشهور ولا يفعل شيئا سوى تخيل نفسه في قبر! ويتبجح بعد ذلك بالادعاء أن تجربة فتاة من التوتسي ناجية من مذبحة أوغندا قد ألهمته، لماذا يا خالد - اسم البطل- لم تذهب إلى أفريقية تكافح وتكد هناك وتقدم العون "المادي" للمحتاجين؟ بدل التنطع في الحرم، والتمدد، والبحلقة والتمدد، وتخيل نفسك في سائر الناس كي تستطيع أن تحبهم، وتأمل نفسك في المرآة؟ ما هذا السخف؟ والبطل لا يستطيع أن يصل إلى محبة الخلق إلا حينما يوقن أن "الكل أنا" وما هو هذا الأنا، نفسه، اللي هو بهذه الأهمية، كيلا يحب الناس إلا حينما يكونون على صورته؟

إن هذه المبادئ وهذه الفلسفة التي يدعي الغورو والبطل أنها وصلت بهم للسلام ليست إلا "الجبرية بس بشياكة"، وهكذا تظهر حكمة أمبرتو إكو العابرة للزمان والمكان حينما رأى في النيو إيدج أساساً فلسفياً جيداً للفاشية، كما نعرف، المذهب الجبري اعتمد عليه الأمويين لفرض سطوتهم على الخلق.

من الناحية الدرامية، ايقاع السرد كان يقع كثيراً من الكاتب، هنالك صفحات كثيرة لا تحوي إلا قصص يكتبها البطل، أو من مجموعته القصصية، "ربما أربعة أو خمس قصص قصيرة كاملة!" هنالك بالطبع اقتباسات طويلة، واحد من البؤساء، والعديد من كتاب الحكم العطائية، وهنالك حشو لا طائل منه عن دستويفسكي وكيف أنه كان يكتب روايتين في الوقت نفسه ويحتمل طغيان ناشره الذي كان "مسخراً" له فقط كي يلتقي بزوجته المستقبلية، بالطبع، التفسير الذي لو كان دستويفسكي قد قرأه لذهب يطلب من القيصر أن يحكم عليه بالاعدام مجدداً.

هنالك عدد من كليشيهات الشخصيات، غير الهندي السحري، هنالك بالطبع الظهور الشرفي والعتيد - في هذا النمط من الحكايات، حيث يكون بطلها شخص لديه رثاء شديد لذاته وشعور دائم لا يهمد بالظلم من الآخرين- للmanic pixie dream girl وهي الفتاة التي تلتقف البطل بعد رحله شقاءه وتحبه وتجعله يحب نفسه وتحسسه أنه سيد الرجالة بعد كل تلك الجروح والمعاناة اللي عاناها مع الغولة السابقة في حياته - حبيبته السابقة أو زوجته السابقة أو أياً كان. الشيء المدهش والرهيب والمذهل أن هذه الفتاة كان اسمها في الرواية "أمل".

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
10 تعليقات