منذ البداية ومع العتبات الأولى للنص (العنوان ، ثم الإهداء) نحن إزاء عمل أدبي/رواية ستتناول موضوعًا في "التنمية البشرية" وهو ما يذكره الكاتب بعد صفحات قليله باسم (السلام النفسي) أو رحلة البحث عن هذا السلام، وهو ما يرى فيه دارسوا علم النفس راحة البشرية ..
ربما لا تروقني تلك الفكرة ابتداءً، انطلاقًا من مفهومي الخاص للكتابة الأدبية، التي لا تقدم ولا تسعى لتقديم وصفة كتابية للتعامل مع الحياة، بقدر ما تسعى إلى ذلك من خلال التجربة الحقيقية التي يتمثلها الكاتب وينطلق عنها بشكل غير مباشر، أما أن يحدثني بهذه المباشرة عن بحثٍ عن "السلام النفسي" وحوار مطوَّل بين البطل/الكاتب في البداية وبين رجل عجوز تصادف وجوده في القطار في نفس اللحظة، فهذا ما أراه "مفتعلاً" وما يفقد العمل عندي منذ البداية مصداقيته، وهي التي تدفعني في الأساس لمواصلة القراءة،
ولكن بما أننا لا نزال في البداية،وبما أن تلك الفكرة "مشروعة" ـ كما يقولون ـ وقد تروق للكثيرين، فلماذا لا نواصل، لنرى كيف سيتناولها الكاتب، وكيف سيعبر عنها، وهل سينجح في ذلك أم لا؟!
(خالد عبد الدايم، وخالد محفوظ علاقة العجوز بوالده .. وفكرة المراقبة الأمنية )***
ينتقل الكاتب /الراوي فجأة إلى قصة "خالد محفوظ" التي يفترض أنها "محكية" على لسان ذلك "العجوز" في القطار
حكاية القاص "خالد محفوظ" وزوجته ( وعلاقته المضطربة بها) وصديقه "سمير خليل" وحفل توقيع " المجموعة القصصية"
هناك فكرة يتم ترديدها باستمرار، وتبدو لي ساذجة في تخيل ذلك الكاتب أن مجموعته القصصية ستجعله مشهورًا وتجمع له الكتاب والنقاد، وسيحصل خلالها على المجد الأدبي "فورًا" ..
ومشكلة هذه الفكرة هي غيابها التام عن الواقعية، فحتى الكتّاب "المتحققين" والذين طبقت سمعتهم الآفاق لم يكونوا يتوقعون أن يكون عملهم الأول ما سيجلب عليهم كل ذلك المجد والشهرة بين عشية وضحاها، ويبدو لي إصرار الكاتب على التركيز على هذه الفكرة غريبًا، ..
قصة "الطوفان" ثم "الخطأ" ومن خلال الحوار بين سمير وخالد يتبين لنا شخصية "خالد" الذي تسيطر عليه نظرية المؤامرة فيما يبدو ..
(استخدم الكاتب تقنية المشهد المتخيَّل، ولكنه لم يوفق في إيهام القارئ به، إذ أن المشهد يظل متخيلاً حتى يستعيده القارئ مرة أخرى، فيكتشف أن هناك كلمة مثل "انتبهت فجأة" تعيد المشهد مرة أخرى مع تغيير بعض تفاصيله (62) )
.
لا ينسى الكاتب دوره، ولا يضيعه، يصر بعد كل هذه الحكاية والقصة المتخيلة أن يحضر بنفسه، وبشخصياته التي بدأ بها، ليفسر لنا ويحلل لنا الشخصيات!
(إنها قصة عادية حصلت لكثيرين، ربما نكون عشناها في بعض مراحل حياتنا..)
حتى باولوا كوليو لا يفعل ذلك !
(قضيت الوقت أتخيل ما سأفعله .. "المشهد المتخيل مرة أخرى)
علاقة خالد محفوظ بزوجته، والحوار المبالغ فيه !
جمل الحوار طويلة، غير منطقية!
(لو كانت قارئًا ملولاً مثلي، سينتابك التفكير، لماذا أضطر لمتابعة هذه الشخصية المملة الغريبة والسطحية، لابد أن هناك سببًا وراء كل ذلك، .. فلتصبر ولتحتمل .. وتذكر أنك لن تنال المجد حتى تلعق الصبرا .. )
ولكنك تواصل، ويهديك الكاتب حادثة تزيد من التشويق ..
ويتدخل الكاتب مرة أخرى لينغص عليك القصة، صـ 100
المواقف الساذجة والأحداث الساذجة!!
يبدو للكاتب فجأة أنه بحاجة للدراما فتنقلب الدنيا لمواقف درامية، فتطلب زوجة خالد الطلاق، ويذهلب إلى عمها ليتحدث مشكلة كبيرة بينهما، ثم "يتخانق" مع سائق الميروباص، فـ "يخبطه" بحديدة فيصاب بالعمى على أثرها !!
وطبعًا تسود الدنيا في عينه، وتحاول زوجته أن تلصح الأمر، لكنها تفشل ويتهمها بأنها تخونه مع صديقه .. ويلكن بين ذلك تحدث بعض المفارقات والأحداث الطريفة:
*كيف يمكن لكفيف أن يجلس على الكمبيوتر ويتعامل ببساطة مع "الشات" الصوتي، ثم يتعلم الكتابة على لوحة المفاتيح بسهولة، لدرجة أنه يكتب "رسائل دكتوراة" يتقاضى عليها أموالاً !!!
* حينما تسود الدنيا أمامه ويشعر أنه يريد أن يموت يجرب الانتحار (الكفيف يجرب الانتحار) .. ولكن كيف؟!! من خلال "سلك الكمبيوتر الذي يعلقه على النجفة ويصعد على بعض المجلدات ويعلق رقبته فتنهار النجفة على رأسه ليفقد الوعي (ما كل هذه السذاجة؟!!!!)
* فجأة يسقط الكفيف على الأرض فيعود إليه بصره!! ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل فجأة نجده قد سافر لأمريكا وحضر محاضرة لأحد أهم محاضري التنمية البشرية هناك! لأن صديقه "يوسف" يساعده!!
*عدد من الطرائف ينتقل إليها البطل مرة أخرى حينما يذهب (فجأة أيضًا) إلى مكة ..
ليقابل رجلاً ما يسميه "المعلم" ويبدأ المعلم في ممارسات غريبة معه، تود أن تأخذ لها طابعًا روحانيًا،(سيسميها فيما بعد التمرينات الروحية)
فيأمره بأن يتبع "حمامة" مثلاً !! رغم أن تواجد "الحمام" في ساحة الحرم المكي ـ حسب علمي ـ ليس بهذه الطريقة أصلاً !! (وتستمر تلك المراقبة 7 أشهر!!)
ولكن المفاجأة والطرفة الأخرى أنه يأمره بأن يواجه نفسه بالنظر في المرآآة!! (بغض النظر عن عدم وجود مرارات في الحرم كما وصف الكاتب) ولكن هل هذه هي فكرته عن "مواجهة النفس"؟!! وفعلاً ينجح بأن يواجه نفسه، ويقول لنفسه أنه غبي وما إلى ذلك ..
ينتقل به معلمه إلى فكرة أخرى أكثر طرافة ــ ولا يزال الإبهار مستمرًا ــ وهي فكرة أن يرى نفسه فيمن حوله، هكذا بكل سطحية يرى "خالد" (الذي كان كاتبًا لو تذكرون) نفسه في كل من حوله، ويقول هذا بشكل مباشر.. وهذه هي طريقته لكي يساعد الآخرين لأنه يرى فيهم نفسه!!
. (ولابأس مشهد خيالي أيضُا لحنفيه ماء في حمامات الحرم يضع المعلم تحتها جردل فيتجمع فيه الماء!!!)
الفكرة الرابعة، أو التمرين الرابع تمرين تجربة الموت (يضعه المعلم تحت ملاءة حتى يستشعر مشاعر الموت) ! وتستمر هذه التجربة لمدة شهر !!
الفكرة الخامسة تأمل الناس ومراقبتهم! (والطريف أنه يفترض أنه يراقب الناس داخل الحرم، ولكن لا بأس أن يذكر البائع الذي يغش زبونه، والرجل البخيل الذي لا يريد أن يدفعن ثمن البضاعة، "فالمعلم" يريد أن يعلمه ألا يحكم على الناس من خلال تصرفاتهم!!!)
الفكرة السادسة: تأمل الشجرة!
ولنا في تأمل الشجرة العديد من الدروس والعبر: لايمكن لك أن تفهم فكرة واحدة مثل (كونوا كالأشجار ترمى بالأحجار فتلقي بالثمار) ولكن هناك أشياء عديدة أخرى لا تظهر لك إلا من خلال التأمل الذي يستغرق أيامًا، لكي تتأمل مثلاً أن الأشجار تنبض بالحياة وأن لها أشكال مختلفة (بالمناسبة تنوع الأشجار هذا ليس في السعودية أصلاً ) وأن سيقانها الطويلة هي وجهها وكتل الأوراق الخضراء هي شعرها (لا أعرف كيف؟!!) ...
المهم أن تأمل الأشجار يستمر أيامًا هو الآخر، ولا شك أن ذلك لأهداف عميقة، ستتضح بعد قليل (الشجرة حكيمة صابرة، راضية مستسلمة تقوم بمهمتها على أكمل وجه دون انتظار لمقابل ومهما مر بها من خطوب فإنها تجاريها ثم تعود لسكونها الأول ...)
ونكتشف فجأة أنه قد مر 3 سنوات (لا تسألونا كيف)
وهذه مناسبة جيدة لكي يكشف الكاتب عن سر غامش آخر، وهو إقامة "خالد" طوال هذه الفترة في السعودية، وكيف تم حل هذا الأمر بكل بساطة بأن "أصدقاؤه قد تصرفوا" كما أخبر خالته، ... ويختفي المعلم والشيخ العجوز ويمكث خالد 3 شهور أخرى فلا يظهرا
(هل أوحشكم الراوي؟! هل لازلتم تتذكرون أن هذه الحكاية تحكى لخالد ـ آخرـ في القطار؟! أما آن الأوان لعودته، لكي يضع مزيدًا من النقاط على الحروف)
يعود العجوز مرة أخرى، ليفسر لخالد الأحداث، ويخبره بكل حكمه أن الرجل الذي قابله خالد فجأة واختفى فجأة إنما هو كائن نوراني مهمته وضع من يرغب في بداية الطريق!!
ثم يعود خالد، وتقدم "أمل" التي كانت جارته مشهدًا بليغًا (ص 304) يلخَّص لكم كيف أصبح خالد متسامحًا على طريقة الدراويش (إن جاء التعبير) فهو يصلح بين اثنين بأن يمد يديه إليهما ويجعلهما يحتضنان بعضهما، فيفعلا، ويعودا إلى ما كانا يفعلانه!!
وحسنًا أنه لم يأتِ لهم بفاكهة من شجرة قريبة أو بماء عذب من السماء (فليس ذلك على الكاتب ببعيد!!)
تقترب الحكاية من نهايتها طبعًا بعد أن يسامح خالد كل من أساؤوا إليه ...
ويتزوج من أمل وينجب منها "حياة"
ولكن هل تنتهي الرواية عند هذا الحد؟!
هل نسيتم أن هناك رجل يحكي لشابٍ في القطار، يأتي دوره الآن،
يكي يقول لنا ـ وبكل بساطة ــ إن كل ما كنَّا نفكر فيه أثناء قراءة الرواية خطأ طبعًا،
الرواية تقول (أن علينا أن نصبح خارقين حتى نصل إلى جنة الأرض والسلام الذي لا يعكر صفوه شيء، ونكون دراويش نمشي بين الناس، وذلك بعد تجربة روحية طويلة ليست متاحة لكل الناس)
ولكن العجوز يرد عليه ـ بحكمته البالغةــ :
(حكاية خالد تقول ببساطة أن المرء مهما بلغ من الحضيض بإمكانه أن يصل إلى القمة إن أراد ذلك ، أما التجربة الروحية فمن أخبرك أننا لا نخوضها ..حياتنا كلها ليست إلا تجربة روحية، نحن من لا ينتبه لذلك) !!!
.....
أمال إيه بقى ياعم الكاتب المحبط اللي بقى الكفيف، واللي فتح فجأة، واللي سافر أمريكا ونط ع السعودية، واتعلم م الحمام، والناس والشجرة ، ورجع يحضن الناس ويقول لهم بحبكم كلكم ده ؟!
..
سيبك من ده كلله ...
أو دعك من هذا كله الآن، وتعال معي لنكتشف حل اللغز الذي كان في أول الرواية .. (لو لسه فاكريين يعني)
فهناك فكرة عامة للأسف مستقاة من الأفلام العربية والأجنبية البايخة، أن اللغز هو أن تضع سؤالًا في أول الرواية تجيب عنه (حتى ولو بسذاجة شديدة) في آخرها ..
من خالد محفوظ ومن خالد عبد الدايم ومن هذا الرجل ..
لن أقول لكم، حتى لا أحرق عليكم القصة أكثر من ذلك ..
فهي مفاجأة يشيب لها الولدان!
...............
مايدور في ذهني الآن، هل فعلاً يفعلون ذلك في ما يسمى ب"التنمية البشرية" ؟؟؟ هل هذه هي طريقتهم مثلاً؟! هل يقنعون الناس بمثل تلك الأفكار السطحية والساذجة، لكي يصلون إلى فكرة مثل (كلنا أنا) أو (أنا الشجرة) التي يتحدث عنها الكاتب؟!
أعتقد أن هذه مشكلة أخرى!!
أفكار بعد قراءة العمل/الرواية:
*إذا تجاهل القارئ كل هذه المواقف والأحداث الغريبة غير المنطيقة ــ يجد أنه ـ ببساطة ـ إزاء شخصية تتحرك بـ ريموت كنترول، أو عروسة من عرائس الماريونيت، لايهم في حركتها وتصرفاتها المنطق ولا العقل ولا إمكانية حدوث التصرف، بل كل ما يقوله الكاتب/السارد وما يفترضه يتم تنفيذه فورًا، كل ذلك في سبيل الوصول لقيمة كبرى وعليا هي "السلام النفسي" و"التسامح مع الآخرين"!!! وأنه اعتمادًا على هذه القيمة (التي تبدو قيمة كبرى) يتم التضحية بكل المنطق والعقل والأدب حتى! ..
* إذا كان الكاتب قد أخطأ وكتب روايته، وأخطأ الناشر أيضًا ونشرها له، وتعامل معه قدر من القراء على أنها رواية عظيمة وفظيعة و .. واااو/ رغم ما تعج به من أخطاء ومغالطات، كيف وصلت ـ بالله عليكم ـ إلى قائمة جائزة الشيخ سلطان بن زايد للكتاب؟!
* لماذا لم يفكَّر أحد من القراء في أن هذا كله عبث لا طائل من ورائه؟
(حتى كتابة هذه السطور لم أجد إلا تعليقًا واحدًا ينتقده لقارئ في أبجد أعجبني كثيرًا، ووضع الكثير من الإضافات النقدية للعمل)