سيرة الوجع > مراجعات رواية سيرة الوجع > مراجعة أمل لذيذ

سيرة الوجع - أمير تاج السر
أبلغوني عند توفره

سيرة الوجع

تأليف (تأليف) 4.3
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كتاب (سيرة الوجع) للكاتب والطبيب أمير تاج السر،سلم فيه كاتبه زمام السرد لوجعه ،فالوجع الذي عاشه ورآه و رافق أديبنا هو الذي يحكي ويروي،هو ألم شديد متعمق في نفسه وكأنه كلما قدم كلما إحتل مكانه أكبر،ومع هذا الألم المبرح تمتزج أحاسيس إنسانية أخرى ،ومن آثار هذه الأحاسيس الإحتواء والتنهد والإنزواء والمشاركة و القدوم والرحيل وغيرها،وهي تركت تراكمات كبيرة لدى كاتبنا ولذلك أخبر وجعه الذي أطلقها أن يصفها بكل تحولاتها ،وهذا الوجع يتمثل كوجع جسد و وجع نفس و وجع وطن...

فنظراً لعمله كطبيب وتعامله مع مرضى من مناطق مختلفة ولهم شخصيات متباينة،سنسمع منه حكايات عن دخول الطب الحديث إلى السودان ومحاولات جعل المرضى يتقبلون طرق علاجه،ففي الوقت الذي بدأ فيه طبيبنا ممارسة مهنته كان الكثير من الناس يفضلون طرق العلاج الشعبية من أعشاب وغيرها ويترددون في اللجوء إلى المستشفيات،والأوضاع الصحية لم تكن جيدة فالأمراض التي تتسبب في الأوبئة كانت ما زالت منتشرة خاصة تلك المتعلقة بالرئة ،وأيضاً يخبرنا عن صعوبة إيجاد الكفاءات الطبية من أبناء البلد آنذاك،فمثلاً الشروط التي وضعت لتعيين الممرضين كانت مفتوحة جداً ولا تخضع للمقاييس المتعارف عليها في اللجان الطبية،وكتنت هناك سعادة كبيرة وإحتفاء مميز بالعثور على ممرضين تعلموا لاحقاً أصول تلك المهنة، ومن المفارقات التي وردت على لسان الكاتب بإنه ليعالج مريض من مرضاه ولعجز الطب الحديث قام بإستخدام حقن من الملح لإنقاذ المريض الخياط من الموت ،والكاتب في سطوره في الكتاب صور لنا الإعياء الجسدي والوفيات التي صاحبت ذلك الإعياء ليوضح لنا مدى إستشراء وجع الأبدان وصعوبة إيقافه في ذلك الزمن ...

وبالنسبة لوجع النفس،فالكاتب نفسه كان مغترب يتنقل في عمله من مشفى إلى آخر،وللغربة تبعات ترهق النفس ،ومع ذلك فهو حاول أن يتكيف مع أنماط الحياة في الأماكن التي إنتقل لها وحاول فهم ثقافاتها وأيضا تعلم لهجاتها ولكناتها،وهو عندما تأقلم مع غربته صار يتفهم أكثر أوجاع النفوس التي عرفها في تلك الأمكنة،عرف كيف ينصت لتنهدات أوجاع نفوسهم ،وتعلم كيف أن هناك نفوس توطن بالحزن فيها ونفوس تمازح الظروف ونفوس ساخطة على كل ما يدور حولها ،هو الطبيب الذي مسه الهوس بالأدب والكتب وأصبح لديه هوس آخر وهو دراسة ألم من يصادفهم ويلتقي بهم،فمنهم من كانوا من أبناء منطقته ومنهم من كانوا زوار لها ومنهم من رحل إليهم ومنهم من كانوا من غير أبناء جلدته،فبعض من إستوقفه التعامل معهم كانوا وافدين على بلده،وكل منهم أتى لأسبابه ،فكل نفس لها حكاية تطبعها على المكان الذي تمر به،وهذه النفوس مع تنوعها الواضح طبعت حكايا مثيرة للإعجاب حيناً ومثيرة للإستغراب حيناً ومثيرة للإكتشاف حيناً !

وفيما يتعلق بوجع الوطن،فإننا نشعر مع أديبنا أثناء قدومه و مغادرته للأمكنة في وطنه بأن هناك وجع يقبع فيها،فيبدو لنا بأن الوجع لا يكتفي برقعة من الوطن بل لدية نية إحتلاله بأكمله،فنظن في البداية بأن الوجع محصور في رقعة معينة ولظروف معيشية أو سياسية أو ثقافية أو لنزاعات تسمى بالدينية مرتبطة بتلك الرقعة،فإذا بالوجع يكشف عن مشاريعه التوسعية،ولنكتشف أيضاً بأن آلية توسعاته هي متزامنة،هي متزامنة بمعنى أنها تحدث في الوقت نفسه وفي أماكن مختلفة من الوطن،وكأن جميع تلك الأمكنة تتوحد في الوجع وقتها،وكأن الألم القاسي هو ما يجمع الوطن بكل مساحاته،وتنهمر في العقول أسئلة مثل : إذا كان الجميع من المواطنين يحسون بالألم فلماذا لا يقاومونه معاً؟ وهل الوجع له مدة معينة وينتهي حتى وإن لم يتم ردعه ولهذا يشهد الوطن هذا الصمت؟هل الصمت عن التفكير في الوحدة هو الأسهل و الضجيج بالفرقة هو الأكثر إنتشاراً لإن هذا المتوقع مع إنه ليس المأمول؟هل هناك مقبس إذا تم فتحه ستخف حدة الوجع ويرتاح من في الوطن والوطن؟!

ومن الوجع المبطن في الكتاب ،هو أسلوب الكاتب في إنهاء كل قصة بطريقة قد يسميها البعض بالفكاهية مع إنها عبارة عن مزحة كلامية وفكرية قاتلة،فكلماته هي هجوم ساخر مصوب تجاه كل عوامل الوجع ،هو يوجهها صوب محاولات تقسيم بلاده، وصوب النعرات العنصرية ،وصوب الجهل ،وصوب الجوع ،وصوب الفقر وصوب الخوف ،وصوب كل ما يضعف الحياة وينحرها،والكاتب كان يثقفنا وينير معلوماتنا أكثر عن وطنه وهو يعدد لنا تلك القصص بما فيها من سخرية وحقيقة ومرارة وطهارة ،هو قام بهذا الدور دون أن يسرقه إستعراض معرفته من القراء وله تحية على ذلك،وكذلك له تحية على إبتسامتة الخجولة حينما ذكر لنا بأن هناك من إختاروا أن يطلقوا على أبنائهم إسمه تيمناً به أثناء تأديته لعمله ...

كتاب (سيرة الوجع) للكاتب أمير تاج السر،يقول فيه وجع الحياة ما عنده من أقوال وكأنها ليست سوى رواية لوقت مضى!

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
2 تعليقات