الدكتورة جاميسون وهي أكاديمية متخصصة في علم النفس ، وباحثة في علم الأمزجة وتكاد تكون مجنونة بالعلوم والمقالات العلمية ومتيمة بالمعرفة والقراءة في الأدب والشعر وعاشقة للتراث و الموسيقى صاغت مذكراتها والمليئة بالمعاناة بشجاعة وجرأة وفن وباسلوب إنساني أكثر منه علمي عن مرض "ذهان الهوس الاكتئابي" أو كما هو معتمد رسميا ب " اضطراب وجداني ثنائي القطب " وإن كانت لاتحبذ هذه التسمية وتفضل الأولى عليها لاعتقادها بدقتها .
ذهان الهوس الاكتئابي هو عبارة عن مرض وراثي ، خلل في الدماغ يؤدي إلى نوبات من الإستثارة والهوس ونشاط عقلي كثيف والكثير بصورة مبالغة من كل شئ من الفرح والأفكار والنشاط و الحساسية المفرطة والشعور بالروعة بصورة خادعة وخطيرة لتليها مباشرة حالة اكتئاب شديدة وخمول وبلادة مرهقة ، خلال هذه الفترة يصبح الشخص نسخة غير معروفة عن نفسه بشكل يصعب فهمه .
منذ اللحظة التي - صورت فيها حادث تحطم طائرة في طفولتها والحياة العسكرية التي صبغت تربيتها وانعكست على حياتها المليئة بالانضباط ، ثم التغيرات التي واجهتها وعلاقتها بعائلتها ، ثم عن اكتشافها لمرض الذهان ونوباته المستمرة والعقل الذي لا يهدأ ثم يخمل خمولاً تاماً موذناً بانفجار مفاجئ قريب ، و زواجها الذي لم يصمد ، معاناتها مع عقار الليثيوم الذي كانت ترفض تناوله بسبب آثاره الجانبية ، ثم محاولتها الانتحار ، العودة من الموت إلى الاكتئاب الشبيه بالموت - وحتى الفصلين الأخيرين واللذين أعتبرتهما واحة بعد إجهاد عقلي مضني - شعرت أنها سكنتني واتصلت روحي بالروح خلف السطور ، لأتجول بحرية في عقلها الواعي لحالتها والمُراقب بصورة دقيقة منها .
شعورنا بنشاط عقولنا التي لاتهدأ حتى عندما ننام متعبٌ فعلا ً ، عقولنا التي يمكن أن تخدعنا ويمكن أن نخدعها هذه العملية مُربكة ومُحيرة لذلك وجدت أن قراءة هذه السيرة ليست مفيدة فقط بل صحية أيضا .
* تقول جاميسون :" نحن جميعاً نتحرك بصعوبة داخل حدود قيودنا "