رواية (أيام معه) للأديبة كوليت خوري،فيها قلب "ريم"إبنة التاسعة عشر وقد رام أن يجرب الحب،وإحتار في امره،ونسي كل ما حوله وهو يراقب بعد الحبيب و يترقب عودته،عرف هذا القلب بأن رحلة الحب ليست ككل الرحلات،هي رحلة أولها بهجة للقلب و تعرفه على أمور جديدة عليه ،و في منتصفها هدير غربة في فهم المعشوق،وفي نهايتها إتخاذ قرار حاسم و إخضاع القلب له ،وعندها يسأل القلب نفسه كيفية عودة الأحوال إلى نصابها الطبيعي؟!
الكاتبة قامت بعجن شخصية "ريم" ببراعة،فهي منحتها الملامح السورية و الشرقية الجميلة،وأيضا لونت شخصيتها بالألوان ذاتها،هي إختارت أن تكون "ريم"في عمر صغير لتكون تجربتها الغرامية مدهشة،هي إبتغت أن تندهش تلك الشخصية من تقلبات الحب،هي وضعت "ريم" في وضع مادي مرتاح و مستقر ،ربما لتثبت لنا بأن "ريم" كانت تحتاج إلى ما هو أكثر من المال،هي صنعت من "ريم" مثالا للتمرد في منطقتها عندما جعلتها تطالب بإكمال تعليمها،وبعد وفاة والدها أكملت البطلة التمرد من خلال إلتحاقها بوظيفة محاسبة،ولكن البطلة ألهت نفسها مع صديقتها بتناول الطعام كتسلية،بحجة أن هذا الشيء الوحيد الذي يمكن للفتيات أن يقمن به في مجتمعها دون أية إعتراضات،"ريم" تركها والده مع مشروع خطبتها لقريبها"ألفريد"،وهي أنفت هذه الخطبة ،فهي رأت بأنه لم يتربى التربية الشامية كما هو حالها،فسكنه و دراسته في الخارج و تعمقه في الحياة الغربية أمور لم تحبذها"ريم"،مع أن "ألفريد"كان رساما و فنانا و هي كانت هائمة بالفن،وكان سنه قريب من سنها،ولكنها أبعدت نفسها عنه و عن الحب،فكانت خطبتهما شكلية راقت لأهمها و أهالي المنطقة،فإذا بالحب يأتيها كمغامرة مغرية حينما إلتقت بفنان موسيقي إسمه"زياد"،وكانت قاسية في اللقاءات الأولى معه خاصة وهي تنتقد أعماله الموسيقية،وكان يتقرب منها كثيرا و يعدل في ألحانه آخذا برأيها،وكان هذا الشيء يؤنسها مع أنها حاولت مطولا إنكار ذلك،فهذا الموسيقي كان في التاسعة و الثلاثين من عمره و عاش في بلاد الغرب لفترات طويلة و هو من غير ملتها ،وكان في حواراته معها متهكما على الحب و يعلق بمنتهى السخرية على الزواج و يرجح العقل على القلب و يعيش لفنه،هو رأى بأن ما سيبقى هو الفن ،الفن وحده و ليس الحب،وكانت إنعطافات قلب"ريم" مختلفة عنه،فقلبها الذي كان غير متقبل للحب عندما إنفتح فضل الحب على كل شيء،على الشعر الذي كانت تؤلفه البطلة،على جلسات الأصدقاء التي كانت تقضيها،على دراستها،على علاقتها بأهلها و من ضمنهم عمها وجدتها،وعلى ولعها بالفن،فهي صارت تغار من الفن لآن حبها للفنان الموسيقي لا يريد الشراكة مع أحد،ولكنها عودت نفسها على الإستماع إلى آراء"زياد"،والتصالح الشكلي مع ذوبانه في موسيقاه،فهي وقلبها صارا ذائبين موسيقاه!
لعل أحضان قلب"ريم" إشتاقت لصورة أب غاب عنها ليس بوفاته فحسب،فوالدها عندما كان على قيد الحياة كان لا يظهر عواطفه،و"زياد" لنضجه و عمره و خبرته و أيضا لإعماله لعقلانيته ذكرها بوالدها ،هي تولعت بفكرة التعلق بهذا الحب الجديد للغاية حتى إنها تجرأت على العادات و التقاليد فخرجت معه للسينما و من ثم تبعتها لقاءات أخرى،كان "زياد" في البداية سارحا مع إكتشافه الغرامي الفتي و يصغي بتلذذ لعصفورته الصغيرة،وبعد ذلك أحست العصفورة بأن موسيقاها لم تعد تجذب الفنان الملول و المحب للتغيير،هي أرادت أن تعرف إذا كانت عواطفها لم تعد تطربه أم صارت معزوفات إمرأة غيرها هي مطلبه،فواجهت"زياد" الذي إعترف بإنه تغير ليس لوجود الموظفة "سوزان" الباحثة عن العشق و إنما لأنه لا يريد أن يزاحمه أي إنشغال عن فنه حتى عصفورته الصغيرة،هو أيضا طلب منها أن تركز على دراستها و أن تعاود كتابة الشعر و أن يقللا من اللقاءات في الأيام المقبلة،وهكذا إحتدت المشكلات بين الإثنين ،و في خضم كل ذلك وصلت رسالة من "ألفريد" يخبرها فيها بقدومه و برغبته في رؤيتها،وعندها أراد "زياد" الهارب من الإرتباط و من صخب عشق "ريم" أن يعاود الإلتقاء بها،هي لم تعد طفولية القلب كما عرفها "زياد"و إن كان "ألفريد" لا زال يلمح فيها ذلك،"ريم" أصبحت تعيش في مباريات غرامية عجيبة، فالموسيقي كان يتحرى أن يلقاها بكل جنون و بهيام مفرط في كلماته و تصرفاته ،و وصل به الحال أن يعلن لها بأنه مستعد للتخلي عن الفن ليبقى معها و عرض عليها الزواج ،فالأدوار إنقلبت و أصبح يقول ما كانت تقوله "ريم" و يطلب ما طلبته منه سابقا،و لكن العصفورة المجروحة وازنت بين عشقها للشعر و بين عشقه له و إختارت الشعر ،أما المبارة الثانية فجمعت بينها و بين خطيبها الصوري،ذلك القريب الغريب الذي يؤمن بأن الإنسان هو المتحكم في حياته،بينما "ريم" آمنت بأن خيوط القدر هي الآمرة الناهية،هو أحب شعرها الطويل،هي قصته نكاية به،هو تمنى أن تحبه،هي إستغربت محاولات تقربه منها،هو أراد منها أن تبقي على خطبتهما حتى لا تنخدش صورتهما أمام الناس،هي أصبحت تستمع له أكثر و تفهمه أكثر،هو كان يخيرها و يرفع الإجبار عنها،هو كان يخبرها بأنه سيرحل لإكمال دراسته و في غضون ذلك بإمكانها أن تقرر ما تريد،هي صارت العصفورة التي إشتهت مغادرة عشها الذي ألفته فرحلت لتعرف نفسها و ما تريد!
رواية (أيام معه) للكاتبة كوليت خوري،فيها حنان أنثوي و شقاوة طفولية تحركان قلب عصفورة شامية،هي عصفورة جعلتها أديبتنا تغرد شعر الحب في كل أرجاء صفحات الكتاب،"ريم" غردت و هي رافضة للحب،وهي معتنقة للحب،وهي متألمه منه،وهي معاتبة له و لنفسها،وهي تحدث كرامتها لتشفى،وهي تنتقم من الحب لنفسها و من نفسها ،وهي تخاطب شوق قديم لينطوي،وهي تتزين لآمال أحبتها،هي تحب ،هي دوما تحب و تقول حبها كما هو!