مدخل الرواية مشوق ، و كأنها تدعوك بهذه الطريقة للدخول في عالمها ، ولادة غرنوي تحت عربة السمك ، إعدام والدته ، شراهته في الرضاعة وعدم قدرة المرضعة على الاستمرار في إرضاعه ، عدم وجود أي رائحة له مما جعل المرضعة تتوجس منه ، و من ثم القس الذي أرسله بعيدا عند المربية مدام غايار التي تخلو من أي عاطفة ، و التي أرسلته بدورها بعد عدة سنوات و بلا أي رحمة ليعمل عند دباغ ..
كانت طفولة غرنوي قاسية ، و مع ذلك لم يبد اهتماما بما يحدث حوله ، كان يعيش في عالمه الداخلي ، الشيء الذي يربطه بالخارج هو حاسة شمه المميزة التي يلتقط من خلالها جميع الروائح ، يفككها و يعيدها لأصلها ، كانت لديه ذاكرة شميّة يحتفظ فيها بكل الروائح التي تمر عليه .
غرنوي لم يحب في حياته إنسانا ، أحب العبق وحده و لاشيء سواه ، خصوصا ذاك الذي يصدر عن الفتيات الجميلات صغيرات السن ، فلجأ لطريقة يستطيع فيها الاحتفاظ بعبقهن بعد قتلهن بدم بارد و بلا أي شعور ، فهو لا يشعر سوى بنفسه يمجدها و يقدرها إذ نراه يقول لنفسه بعد قتله ٢٥ فتاة "أشكرك يا جان باتيست غرنوي لأنك على ما أنت عليه" !
فكرة الرواية فريدة ، فريدة بمعنى أنها التقطت زاوية ما في الحياة و وضعتها تحت المجهر بحيث تبدو واضحة ، لم تبدُ واضحة فقط بل بدت بشعة في نواح عديدة ، سلط الضوء على مدى أهمية حاسة الشم و أن الرائحة هي التي تجعلك تقترب أو تبتعد من شخص ما ، لا أقصد جمال الرائحة إنما مدى جاذبيتها بالنسبة لك ، سلط الضوء في نفس الوقت على الشخص الذي يعيش بداخل نفسه و يفصلها عن العالم الخارجي بحيث يعود لا يستوعب سوى رغباته مهما بدت غريبة أو مجنونة ، يصبح لا يهمه سوى إرضاء نفسه ، بالتالي لا يهم من يتضرر أو من تنطفئ منه الحياة في سبيل ذلك .
بالطبع ثمة أشياء غير مقنعة ، و ربما يستحيل حدوثها لكن قد أتقبل ذلك في سبيل إيصال الفكرة .