سمرقند > مراجعات رواية سمرقند > مراجعة أمل لذيذ

سمرقند - أمين معلوف, عفيف دمشقية
تحميل الكتاب

سمرقند

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

يحضرني بأن فيلم "تيتانيك" الذي عرض 1997 و هو الحائز على جائز الأوسكار تناول حادثة غرق السفينة الشهيرة،فهي سفينة تفاخر صانعوها بأنها منيعة على الكوارث الكونية مهما كانت ، و لذلك منحوها ذلك اللقب،سفينة وصفوها بالعظمة و أكدوا على إستحالة غرقها ،فإذا بها كحال كل ما في هذا الكون محتومة بالزوال،فغرقت و غرقت معها أرواح بعض من ركبوها،و الفيلم أبهر العالم بالمؤثرات و الخدع البصرية و السمعية و حصد الجوائز على تلك الجهود،و لكن كان ينقص الفيلم الحبكة الجيدة و السيناريو و الحوار المؤثرين،فالفيلم تحول لسلعة تجارية لحدث تاريخي بدمغة رومانسية،و حتى حكاية الحب التي شغلت الفيلم أكثر من حادثة الغرق تم سردها بشيء من التسطيح لماهية العشق،فالأحداث يمكن و بسهولة تامة توقعها من قبل المشاهدين ،فكان هناك إغفال لتصورات الحدث الأساسي و إكثار عبارات غرامية مكررة كثيرا في الأفلام و الروايات،فكانت الصورة في الفيلم أقوى من العبارات ، وهذه القوة ربما يقول البعض بأنها مطلوبة في الأفلام ،و لكنها لم تأت لتدعم حوار محكم مكتوب أو لتعزيز حبكة صيغت بجودة،هذه القوة التصويرية أتت لتحجب نظر المشاهدين عما يحتاج للتعديل في سياق أحداث الفيلم ،و بالرغم من كل هذا فالفيلم لا يزال له متابعيه و كانت له إيرادات عالية حتى عندما عرض مجددا بتقنيات مطورة ،و لعل السبب يعود لكون الفيلم فيه مسحة رومانسية و به حنين لإستعادة زمن كلاسيكي به حس جمالي ،و مع هذا كله فهناك أصوات تتمنى لو أن هناك فيلما يعالج حادثة الغرق بمضمون رومانسي أيضا و لكن بثقل موزون في مضمون القصة و الحوار....

فكرت في الفيلم و حبكته لإني عثرت على رواية إسمها "سمرقند" للأديب أمين معلوف،و أحسست بأن الروائي همس في روايته نصا لفيلم عن سفينة تيتانيك و ما كان ينقص فقط هو السيناريو وضبط للحوار بطلة سينمائية،أقول هذا مع أن الرواية تشمل أيضا تخليدا لوقائع حياة الشاعر عمر الخيام بطريقة فنية،هذا بالإضافة إلى العمر الآخر في الرواية و هو عمر بينامين الأمريكي ،فهي رواية مقسمة لوقتين مختلفين كعدد زمني و متشابهين في تقاسيم الأحداث،و هي تتحدث عن عمرين كما ذكرت،و عمر الثاني سمي تيمنا بعمر الشاعر و هذا ليس وجه التقارب الوحيد فكليهما إحتضنتهما أرض فارس و إنغرس في قلبيهما حب لإمرأة فارسية،فالخيام أحب الجارية المقربة من الملكة ،و هي جهان المولعة بالشعر و السلطة،و بنيامين هام بأخت الشاه و رحل معها على متن تيتانيك حاملين معهما مخطوطة رباعيات الخيام ،فالولع القلبي جمعهما و أيضا الولع الشعري،و هتاك رابط آخر يجمع العمرين و هو عزوف كليهما عن التوغل في السياسة مع أن إغوائها كان يأتيهما على طبق من فضة،و العمران أيضا في شخصيتيهما غربة و ألفة ،فالخيام جمع النسك و الهيمان ،و طرب للإستئناس بالنجوم مع تجرعه للكأس،و بنيامين حمل إسما ثانيا غريبا على مجتمعه و هو عمر ،و طاب له التجوال بين البلدان، و تعلقت روحه بإيران و بإحدى أميراتهاو هي شيرين،ففي الرواية حب لنساء إحتوتهن العروش من قبل البطلين ،و رفض للإقتراب من مصارع السياسة بالرغم من مجالسة كل منهما لندماء من الأعيان ...

هناك أيضا شخصية دخلت الأحداث و هي شخصية حسن الصباح زعيم الحشاشين ،و الكاتب صورها بحرفية كبيرة في الوصف،فهو يرفع الغطاء عنها تدريجيا أمامنا و أمام الخيام ،هو حسن الذي سخر حياته بكل ما فيها ليكون الدولة التي يأملها و إن أدى ذلك إلى منيته،هو ظهر لنا بألبسة و حلل متباينة على مدار أجزاء الكتاب،هو إبن قم ذو العمامة السوداء تارة ، و هو ذو الحلة البيضاء المتصوف تارة أخرى،و هو المبتعد عن الحكام حينا و المجالس لهم حينا آخر،و هو الملك المنتظر كما رأى، و الساعي لإرجاع الحقوق لأصحابها كما زعم ،يختفي بين أسطر الرواية ليعود مرة أخرى و حتى بعد مماته نجد بأن أفعاله السابقة و آرائه و تصوراته تساهم في تقليب الأحداث،و هذا التقليب يوافق أحيانا ما سعى إليه فأصبح له أتباع و أحيانا يعاكس ما إبتغاه كإنفضاض البعض عما أوصاهم بإتباعه،إنه زعيم الحشاشين الأسطوري اللاهث وراء جمع مريديه و توسيع مملكته ،كان شريك عمر الخيام في السكن!

ومع أن الرواية خيالية و لكنها تستوحي مصفوفات وقائع تاريخية معروفة و تعرض أيضا تفصيلات سير و أخبار لشخصيات غادرت عالمنا ،و الخيال لم يضعف النص الأدبي و الوقائع أثرته،فكلمات الشعر أفعمت الصفحات بموسيقى تصويرية أكملت السرد،و نثر الأديب الحواري تحديدا جعل العواطف تنساب بين الحروف و القلوب ،أما اللجوء إلى ذكر تواريخ الأحداث و مصائر البلدان في تلك الفترات الزمنية فدعم مفهوم بأن الأزمنة تتبدل و لكن في كل زمن هناك شاعر أو فنان طوقت كلماته حياته،يحتار في كتمانها أو بوحها أو تدوينها بينه و بين نفسه ،وهي و ربما قادته إلى مماته ،و في كل زمن إمرأة أغوتها السلطة و أخذتها من حب حقيقي ينتظرها ،و في كل زمن رجال ورثوا السياسة و ظنوا بأن ذلك يكفيهم لقيادة شعوبهم و إن خانتهم عقولهم ،و في كل زمن هنالك ذلك الشخص الباحث عن الأضواء ،و هو يصعب أن يحسب على طرف دون طرف فهو يبدو كفراشة تتجه بقوة نحو الضوء سواء كان صادقا أم كاذبا و سواء أحرقها أو أشعلها ،و في كل زمن تخدر الرعية أنفسها بالتمني أن يحصل التغيير ،و هي تتابع مستجدات ما يحدث دون أن تحرك أطراف فعلها أو تنبت ببعض رأيها،و هذا الوقع الفكري في هذا العمل الأدبي يمنحه إطلالة على ماضي كان و واقع نعيشه و مستقبل نرجوه،و تلاقي الكلمات الأصلية للكتاب وهي باللغة الفرنسية بكلمات المترجم و هي باللغة العربية ،كان كتلاقي الغيوم ببعضها لتمطر الأرض إنعاشا ،هذا مع البعد بين الأرض و غيوم السماء ...

رواية"سمرقند" للأديب أمين معلوف، فيها الشرق و الغرب،و الشاطئ و البحر،والإغتراب و الإقتراب،و الحب و الطغيان ،إنها رواية تتحدث عن الإنسان!

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
4 تعليقات