يا مريم > مراجعات رواية يا مريم > مراجعة أمل لذيذ

يا مريم - سنان أنطون
أبلغوني عند توفره

يا مريم

تأليف (تأليف) 3.6
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

صدح بأعلى صوته في لبنان الجميلة مستنجدا :"يا عذارء" ، و كان ينظر إلى السماء و هو مستغرق في تكرار إستغاثته ،و حينما تم الإستفسار منه عما حدث ،ذكر بأن أم المسيح حزينة و ملامح حزنها قد بانت،و قال بأنه عرف ذلك لأن دموعها على مصاب أحبتها و ما ألم بالإنسانية من وجع وصلت للسماء،فما كان أشبه بالشهاب في شكله و مروره العاجل في السماء ،وصفه كثير من الناس في تلك الساحة بأنه ظهور لدموع للعذراء،ظهور رآه بعضهم من قبل كلما إزدادت أحزان العالم ،و ينظرون لدموعها كمواساة و كصلوات منها للرب تناجيه ليرفع عن بني آدم ما لحق بهم من ضر ،إن العذراء تصلي صلاة المحبين و تناجي مناجاة أم أتعبها تفشي الظلم و تمادي الغي في العالم .،و ترجو من الرب أن ينقذ المؤمنين و أن ينجيهم ....

حال هذا الرجل و تتشبثه بتلاوة صلواته إرتسم لي في كتاب (يا مريم)،و هو كتاب من تأليف سنان أنطون،و فيه صلوات يوسف الذي كان يتصور نفسه مقلا في توجهه الديني مقارنة بأخته حنة ،و هو الذي عاش زمنا يراه جميلا في العراق العظيم ،و صلوات فتية لمها التي آلمتها مشاهد القتل و التعذيب في العراق أيضا ،و كل منهما يروي حكايته عن عراقه و عن أوجاع عراقه و عن غربته في عراقه ،هما ينتميان للعراق كوطن و يعتنقان دين المسيح،و تأتي حكاياتهما لتصف لنا ما حصل و ما يحصل لأتباع ملتهما في العراق ،و ليتردد على مسامعنا في الرواية لفظ "الطائفية"،هذا اللفظ الذي بات منتشرا كإنتشار النار فالهشيم و الذي يفعل فعلها و أكثر،و ترامي الكلمات بين البطلين في الرواية يجعلنا نتساءل عن إستشراء الحديث عن الطائفية كلما تم ذكر العراق ،و أيضا عن مدى مساهمة أيدي من خارجه في إيقاد جذوتها،فيوسف كان له من الأصدقاء المقربين إثنين في فترة شبابه، و أحدهما كان يهوديا أرغمته الظروف الساسية و القومية على الهجرة قسرا و إنقطع التواصل معه ،و الآخر كان مسلما و ظل أقرب الناس ليوسف ،و في وقت ما كان نديمه و صار الراسم لضحكة يوسف ،و لم يقف الإمتزاج في المجتمع العراقي في شباب يوسف عند حد الصحبة و الرفقة،فيوسف أحب دلال المسلمة و هام بها و إن لم يتمكنا من الزواج لتوجسه من ردة فعل شقيقته المتدينة ،يوسف كان يتغنى دائما باللحمة العراقية الوطنية و المجتمعية التي شهدها ،و دخل في صراع فكري مع من أغدقت نفسها بالإستماع إلى ترانيم فيروز و هي تصلي ،فمها كانت ترى بأن يوسف يعيش في ذكريات لن تطرق أبواب العراق الذي تبصره الآن،هي غارقة في غصات عدم إستقرارها ،و من خسارتها لجنينها ،و من بعدها الغير إختياري عن عائلتها،مها كلما بحثت عن ملاذ في بلدها وجدت في الملاذ عذابا ما ،مها أصبحت تتجرع الغربة و هي مقيمة في وطنها ،هي تقاسي لعراقيتها و للملة التي إتخذتها،هي عانت و تألمت فأصبحت تبكي و تخطر على بالها السيدة مريم كثيرا،مها و زوجها و هما في غرة شبابيهما ،قررا الرحيل عن العراق و أن تكون غربتهما خارج بلاديهما هذه المرة،فإذا بالإحتدام بين يوسف و مها يجعل كل منهما يرغب في مصالحة الآخر و لتلتغي أفكار الإنشقاق ،يوسف توجه ليصلي و في نيته أن يرى مها و أن يعتذر مها ،و مها تتوجه للكنيسة لترى يوسف و لتتأسف منه، كل منهما كان يصلي للآخر بالرغم من التباين في الرأي و كل منهما كان يصلي للعراق ،و في الكنيسة تفجرت مشاعر إنسانية لفراق أحبة و لتطاول أيد خفية لأذية وطن ينشد الطمأنينة و الأمن و السلام ...

أرواح كانت تصلي و تدعو خالقها ليحمي وطنها و لينعم الجميع بالخير،أرواح أرادت النجاة في دار للنجاة و طلبت النصرة من سيدة النجاة،أرواح سعت بإيمان جم أن تفرح الأمل و أن تزوره،أرواح إبتغت أن تحل المودة و الرحمة و التسامح التي عرف بها المسيح في وطنها و العالم ،أرواح حملت في ثناياها رجاء و أمنيات بمستقبل مبهج،أرواح ودت أن تذيع أصوات سلام في ظل تزاحم لضجيج الحروب،هي أرواح كانت تحفها الرغبة في الزهد و هي تقول :" اللهم ربنا في السموات و الأرض ، أعطنا خبزنا ، كفاف يومنا"، أرواح تعذبت للغاية و هي تأمل في أن تعيش في أمن مع أن الظروف تغالبها،فكيف يتم قتل هذه الأرواح؟! و إن قتلت فمساعيها الحسنة لا يمكن إزهاقها ،ونوايها العذبة يستحيل إغتيالها، فيمام السلام رسائله تصل دائما إلى دروب الحقيقة و الخير مهما مر الوقت...

و كاتب الرواية عبر عن كل ذلك بإدراج الروح العراقية في الألفاظ و الأسلوب،فإستخدم في سرده أحيانا دعابات ساخرة فيها تلاعبات كلامية تحمل معاني متدفقة، و تقرص التناقضات التي تحدث في الواقع،و بالرغم من جدلية اللجوء إلى اللهجة المحكية بالنسبة للنقاد،فالراوي هنا وطد علاقة القارئ بالبيئة العراقية حينما لقح عباراته باللهجة العراقية،و هي لهجة عند وضعها بهذه اللمسات ستهيج الحنين في قلوب المشتاقين للعراق،و ستعيد ملمح ذكرى ماضية زعم أصحابها بإنها نسيت،و ستحرك خرائط الأماكن و ما تم فيها في المخيلات،و ستجعل بعض القراء يتأملون تعهدهم بالرجوع للوطن برجفة غائب غاب طويلا ،و ستفرح عددا من القراء بضم بضع كلمات مرت على الوطن ....

لا أدري كيف يستسيغ البعض و يستبيح البعض إراقة هذه الدماء ،فمن الروايات التي ذكرت عن الرسول-صلى الله عليه و سلم – رواية ابن عباس : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيوشه قال : لا تقتلوا أصحاب الصوامع " . ، و أيضا "ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له و كذلك قول النبي-صلى الله عليه وسلم- : " لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا ". ،فهذه الأقوال تدل على عظم جرم قتل الأبرياء و تجريم الإسلام لمن قاموا بالإستهانة بإضراج الدماء،و إن القلوب لتدمى و هي تستمع لأناس يقومون بأفعالهم اللاإنسانية و يتقولون على الإسلام ما ليس فيه ،فالمسيحية و الإسلام ديانتان تحضان على العطف و الرأفة و مساعدة الآخرين ...

و في الختام ،فإن روحي تدعو من خلق عيسى و محمد-عليهما السلام-، و ترجو من أتى بالرزق لمريم –عليها السلام- و أغاثها غوثا طيبا ،و تنشد من جعلنا من ذرية آدم-عليه السلام- و من علمه الأسماء ،أن يمنحنا أمنا و فرجا يعمان الأرض و السماء ...

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق