اللامنتمي > مراجعات كتاب اللامنتمي > مراجعة أمل لذيذ

اللامنتمي - كولن ولسون
أبلغوني عند توفره

اللامنتمي

تأليف (تأليف) 4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

في ظل الفوضى التي يعيشها العالم الآن من صراعات و تخبطات و بالأخص في عالمنا العربي ،إمتدت يدي لتمسك بكتاب يحاكي قالب تلك الفوضى ،و إن كانت الفوضى فيه ذات بصمات أدبية تحليلية،و مع ذلك فهي كفوضى هذه الأيام أحيانا نعرف أسبابها و أحيانا نجهلها و أحيانا نتجاهلها ،هي فوضى قد نلوذ بالصمت تجاهها ليتحدث عنها غيرنا من شدة سأمنا منها أو ذوبان أملنا بإنقطاعها ،هي فوضى تصيبنا بالحيرة و نحن نراقبها مع إن بوادرها لاحت لنا من قبل،هي فوضى لا نرى بإنها ترنو من الذبول تارة و نتعجل في تطبيق ما يصدها تارة أخرى،فوضى واقعنا يبدو ملمحها سياسي مجتمعي ،أما الفوضى التي في الكتاب فملمحها في نفوس أشخاص صيتهم ذائع أدبيا و فنيا ،و إني قمت بإختطاف الكتاب بالرغم من محتواه الغير خفيف !

الكتاب هو (اللامنتمي) للكاتب كولن ولسون ،و قد خط هذه السطور المبهرة نقديا و هو لم يكن قد تعدى الرابعة و العشرين من عمره،و عبر عن أطروحاته حول قضية غير مألوفة و هي قضية "اللامنتمي"،ولسون لم يشتت قواه النقدية و الكتابية ليعرف لنا من هو "اللامنتمي" بشكل مفرط ،فهو لجأ للإقتضاب في التعريف ،و ترك فصول كتابه تنقل لنا صفات "اللامنتمي" و أنواع توجهاته و مواقفه ،و كأن الكاتب إبتغى أن يفصل لنا شكليا و روحيا هيئة "اللامنتمي" دون ان يستقر على تعريف موحد له، فالإبهام الذي طالما كان يحف كلمة"اللامنتمي" كان الكاتب يذيبه شيئا فشيئا فصلا فصلا،فثغر "اللامنتمي" ينطق بسلبية جمة و أسئلة وجودية، و عيناه تركز على السوداوية المحيطة به و الكامنة في نفسه،و أذناه تسمعان حلم الكون في حالة هذيان و ربما ترقب و ربما تخيل ،و أنفه يشتم رائحة الموت القادم لا محالة ،وخداه كتب عليهما قلة ردود الفعل و تلاشي التبسم ،و جبينه يحمل خطوط عبوس و تجهم في وجه ما حدث و ما قد يحدث مقدما ،فالكاتب وضح تلك الملامح اللامنتمية و رسمها لنا بدقة ناقد جاد .

و من الكلمات التي تداولتها فصول الكتاب حول"اللامنتمي"، و التي ينبغي أن تحوط بدوائر حمراء لأهميتها ،نجد كلمات مثل الأنا ،والوجودية،و العبثية، ،و الصدفة،و الموت، و الدين ،و سأبدأ بتحويط دور" الأنا "في حياة "اللامنتمي" و هي ما قد تشد الكثير من الناس للنظر إلى "اللامنتمي" في أول الأمر، و هي ما قد تنفرهم من شخصيته و ربما شخصه لاحقا ،فهي مرتبطة بالنرجسية في عقول الكثيرين و ترمز إلى الإنطواء على الذات و التمحور حولها دون الإلتفات إلى الآخرين ،و إذا دققنا النظر سنجد أن "الأنا" متواجدة ليس فقط لدى الأدباء السابقين فهي أيضا متواجدة لدى المعاصرين،و كأن الأديب هو طفل مهتم بذاته ،و سارح في عالمه الخيالي ،و مكثر في إطراقه في أسئلته المتعددة و التي يبدو أغلبها غريبا ...

و فيما يخص الوجودية فيظهر لنا "اللامنتمي" كباحث عن المعرفة و متعطش للعثور على الحقيقة لأقصى حد،و إن كلفه ذلك تعب نفسي و جسدي ،و جفاء للنوم ،و إبتعاد عن المجتمع،و إستهجانات تطال أطواره الغير معتادة ،و هناك من وصل إلى حافة الجنون و هو مغرق في تأملاته ،و فيما يتعلق بالعبثية و الصدفة قام الكاتب بعرض إقتباسات في صميم المفهومين في حياة "اللامنتمي" و من الأمثلة كان كتاب(الغريب) لألبير كامو و هو أشهر مثال على السخرية من العبثية و الإمتثال لها في الوقت نفسه ،و المثال الآخر كان أدب ديستوفسكي بأكمله و ما في قصصه من طمس للصدف و حسر سطوتها عن شخوص الحكايا،أما الموت ،فكان هناك تلميح له في رواية (المحاكمة) لكافكا و إني وددت لو كان تفصيليلا أكثر ، أما المثال الذي كان مسهبا فكان سيرة الرسام الشهير فان جوخ و أقواله ،و كان هذا المثال مغطا باللون الأصفر الذي إشتهر به الرسام لإشتداد الكآبة و السخط و تآكل الصبر في حياته،و الكاتب خصص صفحات ليناقش مفهوم الدين عند "اللامنتمي" بجزالة،و قد إستعان بالفيلسوف نيتشه كمثال يعتريه إنشداد الفيلسوف نحو الدين في صغره، و إبتعاده عنه في كبره ،و يروي لنا الكاتب عبارات ذكرت على لسان نيتشه و بعض الوقائع التي حصلت في حياته لنفهم فلسفته أكثر،بعض التناقضات قد تعلو سطح حديث نيتشه في بعض المواقف مما أدى إلى تراكمات تفسير لما حدث له ،أما الومضات الدينية الأخرى فكانت بتأثيرات صوفية و بوذية و مسيحية كذلك ،و التأثيرات بعضها رغب بها "اللامنتمي" و بعضها رغب عنها ،و بالنسبة لمفهومي الحياة و الموت فالكتاب تشرب المفهومين بكثافة ،فالأدباء في الكتاب كانوا مراقبين و ملاحظين للحياة بشكل عام و حياتهم بشكل خاص، و كأنها لا تعنيهم و لا تخصهم في أوقات كثيرة،فالموت غالبا هو الهاجس الذي أبقاهم على قيد الحياة و هو الذي يسعون إليه و ينتظرون هلوله ،و كأن حياتهم بلا معنى بليغ أو هدف جليل ،فهم هائمون على شفير الحياة و مقبلون على قدوم الموت...

كتاب (اللامنتمي) للمؤلف كولن ولسن،يرصد لنا الصورة المتكاملة لفئة أدبية رامت ان لا تعلق أعمالها على حوائط الحياة مؤقتا !

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
2 تعليقات