دع القلق وابدأ الحياة > مراجعات كتاب دع القلق وابدأ الحياة > مراجعة أمل لذيذ

دع القلق وابدأ الحياة - ديل كارنيجي
تحميل الكتاب

دع القلق وابدأ الحياة

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كان عاملا بسيطا في مكتب متواضع يشاركه فيه غيره من الموظفين، و كان خجله واضحا و هو يقدم المساعدة لزملائه في العمل و للمراجعين في تلك الشركة ،و مع الوقت فإذا بأشخاص آخرين ليسوا بموظفين و لا بمراجعين يطلبون التحدث إليه ، و توجه إليهم مبتسما و كأنه يعرف فحوى الموضوع مسبقا ، و لم يستغرق الحديث دقائق قليلة حتى أبدى لهم رغبته في تقديم العون لهم ،و عاد لعمله و هو قانع بما لديه ....

قصة هذا الشخص هي أنه كان من ألمع التلاميذ و يشهد له من عرفوه بأنه حاد الذكاء ،و إستمرت هذه الفكرة عنه في أذهانهم حتى إنتهى من شهادة الثانوية العامة بتفوق كبير، و قرر الإلتحاق بتخصص عزيز على قلبه و هو المحاسبة و كان له ذلك ، و كعادته كان طالبا مميزا في سنته الجامعية الأولى و لكن ما حدث في السنة الثانية غير حياته بأكملها ،فإحدى المواد الدراسية في تخصص المحاسبة كانت صعبة و لكن ما زاد صعوبتها للطلاب آنذاك كان تشدد الدكتور الذي يدرسها و طريقته في التقليل من شأن طلابه كما وصفه بعضهم ، و أخذ طالبنا النابغ في ذلك الحين بالإحساس بالتوتر و القلق على مدار فصل دراسي و كانت بعض الأعراض عنده هي كثرة الشكوى و المرض و الأرق، و كان أغلب من حوله يتصور بأن تلك الأعراض هي وقتية و ستنتهي بمجرد إنتهاء الدروس و الإنتهاءمن مادة التخصص ،و كان طالبنا يذاكر كثيرا و يحس بأنه ينسى بإستمرار و مع ذلك يواصل المذاكرة، و ظل على هذا المنول حتى حلول وقت الإختبار ،و مع تسلمه لورقة الإختبار أحس بالمرض الشديد و التوتر المفرط و غادر اللجنة ،و كرر هذه المحاولة في الأعوام اللاحقة حتى عرف بأن ما في رأسه من مخاوف كانت أقوى ، و حمل معه أوراقه الثبوتية و شهادته الثانوية ليعمل كموظف بسيط في إحدى الشركات و إذا بزملائه ينتبهون بأن زميلهم الجديد بارع في المحاسبة أكثر منهم فيطلبون مساعدته لهم دوما و إنتشر خبر الموظف الجديد حتى أصبح يطلب لتدريس طلاب تخصص المحاسبة في الجامعات المرموقة و كان يجيد شرحها بسلاسة و تأتيه تلك العروض و هو يمارس عمله المعتاد،و عندما سئل إن كان يرغب في العودة لمقاعد دراسة المحاسبة ليكمل حلمه الأول غطت الحسرة نصف وجهه و غطى الخجل نصفه الآخر، و ذكر بأنه لو دخل لجنة الإختبار اليوم ستصيبه أعراض الأمس!

تبدو القصة درامية جدا و لكنها إحدى القصص الواقعية التي مسها القلق ،و إني تعجبت في أول الأمر من تمكن المخاوف القديمة من شخص ناضج و ذكي لهذه الدرجة و لكن هذه هي الحياة ،و ربما المخاوف و الوساوس تهوى عقول المفكرين و المثقفين و الحالمين ،من يدري؟! وهل صاحب القصة كان واثقا من نفسه في محاولاته المتكررة في السابق؟ و هل كان واثقا من نفسه من قبل ؟ و هل تفقد الثقة بسهولة؟ هو بالطبع يعرف أجوبة الأسئلة لإنه بات يدرس مادته لغيره و لكن ما الذي جعل التوتر يستشري في فكره فيسلبه البصيرة؟ و أيضا كانت هناك أعراض جسدية رافقته و هو يخوض تلك التجارب ؟ فما هي علاقة الجسد بالذهن؟و ما الذي يحس به الآن و هو يساهم في أن ينال طلبته الذين يدرسهم في الخفاء، تلك الفرص التي كان يرجوها لنفسه؟!

كتاب (دع القلق و إبدأ الحياة ) للكاتب ديل كارينجي ، يتناول الموضوع الرئيس للقصة و هو القلق ،و فيه إجابات على التساؤلات التي زارتني ، و إني أجد بأن عنوان الكتاب كجملة أو كطلب يصلح أن يقال لبطل القصة و لكل شخص أثقله القلق ،فبالفعل بعض الأشخاص قد تتوقف حيواتهم لتسلط التوتر عليها ، فهم كأفراد تدل شهادة الميلاد على ولادتهم و لم تصدر لهم شهادة وفاة ،و لكن إنتهاء رغبتهم في إلإستمرار في المحاولة أدت إلى وفاة أحلامهم ،فالحياة كلها عبارة عن محاولات عندما تحدث إحداها ننتقل لغيرها حتى نصل لما نبتغيه ،و التوقف عن المحاولة يعني التوقف عن الحياة !

و الكتاب ليس من الكتب التي نشعر فيها بكمالية المؤلف أو حتى بكمالية شخوصه ،و المؤلف كان متعمدا ذلك، فهو أراد أن يبين لنا بأن البشر جبلوا على عدم الكمال ،و بأن من مسببات القلق إستماتة البعض في التفنن في نشده لكماله ،فإنسانية الكاتب تؤنس القارئ و تجعله يتذكر مواقف تحاكي تلك التي وردت في الكتاب سواء كانت المواقف حدثت معه أو مع غيره ،و المؤلف نوع في القصص التي عرضها فكان يأتي بقصص تخص رجال الأعمال و قصص تشمل أهل الفن ،و أيضا أسمعنا القصص بلسان أبطالها و كذلك بلسان المقربين منهم ،و أتى لنا بقصص تحمل نهايات مفرحة و أخرى أهلكها الحزن ،و كأنه كان يلمح لتأثير القلق الجسيم سلبيا على جميع فئات المجتمع، و يوضح لنا بأن التأثير قد يتعدى الفرد المصاب بالقلق لتصل آثاره لأقرب الناس إليه و لعمله و لدراسته و لإبداعه ،ويستعرض لنا النهايات المتباينة ليربط النهاية بسلوك و ردود فعل صاحب القصة تجاه ما حصل معه ،و المؤلف عندما بدأ بسرد الحكايات إختار أن يشرع في البوح بما جرى في حياته ، و هو قام بذلك بمنتهى الإخلاص و كأنه ينتظر القيام بهذه الخطوة منذ مدة طويلة و قد حان وقتها ....

هذا الكتاب يشمل فصولا بعناوين شاملة للنقاط الأساسية لكل فصل ،و العناوين مع أن طابعها علمي و نفسي كما هو طابع الكتاب ،و لكن فيها شيء من المرح الساخر و لمسة لإستحواذ تركيز القارئ ،و الفصول مغرقة بالحكايا لتصب في الهدف الرئيس منها ،فبالإضافة للعبر الجلية في الفصول و للمقولات المأخوذة من الكتب المقدسة و الكتب الأدبية و الكتب الإقتصادية و كتب السير الذاتية و غيرها من الكتب ،كان كل فصل يغلق بربط كل تلك الأمور التي فيه مع بعضها على شكل قواعد مرتبة تساعد المرء على إتخاذ قراراته و السير بخطواته ، و جهود المؤلف واضحة في بحثه عن أسس منهجية و وثائق و دراسات لكتابه كما نلحظ منذ السطور الأولى ، و كذلك في تمعنه في الأحداث التي مر بها و التي مر بها غيره ،فهو إتخذ بعدا إنسانيا و بعدا فكريا في مناقشته لمكامن القلق و كيفية التغلب عليه ، و أسلوب المؤلف في تقريب قواعده الحياتية للقراء كان بإستخدام أسلوب الطلب و "ماذا لو " ،و ليس بأسلوب الأمر و لا بأسلوب النهي ،فهو يرى بأن لا أحد لم يكن مهموما في يوم من الأيام ،و بأن الظروف الصعبة أضرت بالكثيرين و ليس بفرد واحد فقط ،و بأن الحسرة لن تروي العطش للعيش ،فلماذ يسمح الإنسان بأن تلجم السبل التي يقصدها ليحيا كما يريد ، و إذا تعثر في سبيل فهنلك حتما سبيل آخر، و إذا أغلق ذلك السبيل فإن هناك سبيل غيره و هكذا هي الحياة حتى نصل لوجهتنا ...

إذا كانت الحياة قد منحتك وقفة ، وقفة فيها ندم ،أو وقفة فيها ألم،أو وقفة فيها ترقب، أو وقفة فيها تعجب،أو وقفة فيها إستهجان ، و غيرها من الوقفات الشعورية فإستغل تلك الوقفة و تأمل ما يجول في نفسك و هنلك وقفات ليست بإختيارية كوقفة معرفة ما سيحدث بعد خسارة إنسان له مكانة نفيسة عندك، أو وقفة ضياع وظيفة كنت تتمنى ان يقترن لقبها بك ،أو وقفة عدم التمكن من الحصول على مقعد في الجامعة التي أردتها ، أو وقفة إنتكاسة الخطط التي وضعتها لمستقبلك و غيرها من وقفات الأزمات، و هذه الوقفات هي الأكثر تأثيرا فلا تتركها تدمر ما فيك من إيجابية ،و إنما اجعلها جبهات تحدي تقويك ،و في الكتاب أمثلة عديدة على هذه الأمور...

كتاب (دع القلق و إبدأ الحياة ) للكاتب ديل كارينجي،فيه دعوة لنعرف الحياة التي نريدها ،و أن نحاول العثور على أنفسنا فيها ،فمقاعدنا موجودة فيها و لكننا ربما لم نرها بعد!

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
اضف تعليق