أفراح الروح > مراجعات كتاب أفراح الروح > مراجعة مروه عاصم سلامة

أفراح الروح - سيد قطب
أبلغوني عند توفره

أفراح الروح

تأليف (تأليف) 4.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

أفراح الروح

و يبقى السؤال رحّالٌ في الذهن يدور : أهكذا كان يكتب الطيبون الرسائل لذي قربى بعيد ؟؟ أحقا يرسلون خاطر البال وأفكار الوجود وصوراً للموت والحياة ثم يعطرون الأظرف بأريج الحكمة والتأملات قبلما يبعثون ؟؟ والأقربون؟.. أكانوا من بعدها على الغائب يطمئنون؟؟ ...فمثلنا لو أرسل لذويه شيئاً من قبيل ذلك لبعثوا في إثره الأطباء !!... إن هذا الذي أعنيه سيفهمه فقط أولئك الذين كتب الله بينهم وبين ذويهم سنين غياب!! ....هم يعلمون جيدا هذه اللحظة التي تُغير فيها نبرة صوتك تلقائياً وترتدي ذهنياً زي المدرسة التي تركتهم إثرها وتجهد في إيقاظ صبي الثامنة عشرة من زوايا نفسك لتتحدث عن أي شئ إلا الذي يعنيك....وتغمرك السعادة حين تصدق والدتك الخمس كيلوجرامات الوهمية التي زدتها فضاقت الثياب ..وتحكي لوالدك كيف في غيابه ما زلت تتخوف من أماكن لا تستطيع إليها الذهاب ....وتجمع لأخوتك كل ما في الشوارع من نكات .. وتقول لنفسك لا بأس فهم لا يعرفون إلاهذا الصغير فلا تزعجهم بذلك الذي كبرعشر سنين في البعاد ... ولكني رغم ذلك وجدتني أغبط سيد قطب رحمه الله على شقيقته السيدة / أمينة قطب كيف أنها قرأت مثل هذه الوجدانيات يوماً فلم تقل : أنهكت أخي الوحدة وهو ليس بسعيد ..بل أذنت بطبعها بكتيب كان له من بين كل الأسماء عنوان (أفراح الروح).

((أختي الحبيبة ..هذه الخواطر مهداة إليكِ)) هكذا كانت بدايات الرسائل ..وهكذا كان محتواها:

((إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك فتتصورينه في كل مكان ووراء أي شيء وتحسينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء، و ترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة. إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة ائزاخرة الطافرة الغامرة، وما يكاد يصنع شيئآ إلأ أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!... مد الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي إ.... كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار.. الأمهات تحمل وتضع، الناس والحيوان سواء،. الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار.. السماء تتدفق بالمطر، والبحار تعج بالأمواج.. كل شىء ينمو على هذه الأرض ويزداد ..وبين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة و يمضي، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!.. والحياة ماضية في طريقها، حية متدفقة فوارة، لا تكاد تحس بالموت أو تراه... قد تصرخ مرة من الألم، حين ينهش الموت من جسمها نهشة، ولكن الجرح سرعان ما يندمل وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحآ..لو كان الموت يصنع شيئا لأوقف مد الحياة ولكنه قوة ضئيلة حسيرة، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة..فمن قوة الله الحى... تنبثق الحياة وتنداح))

((عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة... لقد جربت ذلك.. جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور ...شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية- غير المتصنعة- باهتماماتهم وهمومهم... ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص. إن الشر ليس عميقآ في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا... إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء.. فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية.. هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، و على أخطائهم او على حماقاتهم كذلك.. وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.. لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام))

وشئ آخر لتغبط سيد قطب عليه ...((إننا نحن إن " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيرأ حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا...." التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلامات التجارية " لبضائعهم كى لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون و أصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين إنهم لا يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الأفكار والعقائد، وإنما هم مجرد " وسطاء " في نقلها وترجمتها.. إنهم يحسون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خلقهم، ولا من صنع أيديهم. وكل فرحهم المقدس!، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل !))

((لست ممن يؤمنون بحكاية المباديء المجردة عن الأشخاص لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة؟ وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان؟ إن المباديء والأفكار في ذاتها- بلا عقيدة دافعة- مجرد كلمات خاوية أو على الأكثر معان ميتة والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان المشعة من قلب إنسان! لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا في قلب مشع ...آمن أنت أولا بفكرتك، آمن بها إلى حد الاعتقاد الحار! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون ! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة...لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة بشر كذلك لا وجود لشخص - في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص... كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان))

((من الصعب على أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل: فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة؟! حين نخوض إلى الشط الممرع بركة من الوحل لابد أن نصل إلى الشط ملوثين !!))

كتب الله يوما لقصاصات رجل مات أن تخرج من درج إحدى السيدات ..فتكون كتيباً من بضع صفحات قصار في الوقت الذي لم يفكر فيه أحدهما أو كلاهما بالأمر ...لو كان لقراءة الخواطر أسباب لكفاني هذا السبب.

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
اضف تعليق