كالعادة د. يوسف زيدان رائع و كتاباته اكثر من رائعة , احس بقرابة تربطني بابطاله كاننني اعرفهم في حياتي و اريد الاتصال بهم لاطمئن عليهم ، خلال قراءاتي لكتابات يوسف زيدان اتشبث بالكتاب قراءة لانهيه ليس لهدف الانتهاء منه و لكن لاعلم ما هو مآل المحال
محال رواية اخرى تشعرك باغترابنا عن الحياة بما حالت اليه من محال , يقص علينا رواية لشخص تتعرف عليه في آخر صفحات الكتاب دون ان يذكر اسمه عدا ابو بلال و قد يكون غرض د. يوسف ان نعمم فكرة الاحالة في هذه الحياة لكل شخص يعيش نفس المعاناة ابتداءا من معاناة العادات و تقاليد و قضية التدين الى معاناة الاعتقال و دفع ضريبة جرم لم يقم به الا لانه من دين آخر غير دين القوي المستعمر في تلك اللحظة و مرورا بالمعاناة الاقتصادية و الفقر و الاغتراب حتى عند الوجود في حضن الام الحبيبة.
اسئلة كثيرة طرحت و تركت و لا زالت متروكة دون اجابة و اعتقد سوف تنقل الى اجيال عديدة دون اجابة : من قام بمذبحة الاقصر ؟ و لماذا تم حراسة المجرمين ؟ و الترقيات التي حدثت فيما بعد في الحكومة ؟ لماذا تم اخفاء الحقيقة و اسكات من كان بيده الحقيقة؟ المذكر و المؤنث كذللك كانت لها نصيبها من بعض الاستفسارات ، الحكمة من خلق الانسان السفاك للدماء و الارض و الحرب ؟ اسئلة دارت حول البناءون القدامى و استعباد الناس ؟ و ارى هناك خيوط خفية لاتمام رسالة – حسب قراءتي الشخصية- للمقارنة بين استعباد للبشر منذ الاف السنين و استعباد للبشر في العصر الحديث كما آل اليه مصير ابو بلال في النهاية في السجون الامريكية "جوانتانامو" ، ضياع حقوق الانسان في القديم باسم الفراعنة كآلهة و الحديث باسم امريكيا و اسرائيل كألهة قوة الدولار و التكنولوجيا و في النهاية جميعها آلهة مزيفة.
في صفحة 169 يقول الاسلام اصبح تهمة يعاقب عليها المسلم و من هنا نلاحظ نفس التهمة وجهت للمسلمين في الاندلس قبل عدة قرون، فلكأن التاريخ لازال يكرر نفسه بلؤم ؟ و من هو المسؤول عن هذا التكرار ؟ اين حقوق الانسان و حرية الاديان ؟ اين القانون الدولي ؟ بما اننا في العصر الحديث و القانون الدولي و حقوق الانسان و لكنها كلها ادعاءات و قوانين وضعت لحماية الهيمنة الراسمالية و الصهيونية (فقط)
ابو بلال كشخصية رئيسية بمراحله المختلفة لم نحس فيها بهجة الا بالتقائه بنورا و حبهما لبعضهما و ما عداها جميها محطات عذاب مختلفة كالمعلبات التي كان يبيعها في الامارت ، من ضياع الى الاكثر ضياع حتى نهاية مطافه الى جوانتانامو الامريكي.
اسلوبه في الكتابة – اعجبني- كطفل يخبر ببراءة الطفولة و هذا ما احسسته في روايته ما عدا بعض الاسئلة –كما ذكرت في الاعلى- يقوم بذكر اسامة بن لادن و شاه مسعود و حبيب العادلي و تيسير علوني كانها اسماء دون ابداء راي و لكن يترك لنا بين الاسطر مفتوح فسيح لنخط به ما نراه ، اسلوب يعلمنا لننضج مع قراءتنا للرواية حتى نصل الى محل واحد هو سجن جوانتانامو الرهيب الذي من خلاله تتجلى انسانية امريكيا و اسرائيل.
نورا و سورة النور و نور الله للهداية و قصة حبه فيها من الشيء الجميل لا تستشعره الا بقلبك ، و لكن هنا احدى المتناقضلت في الحياة، الم يقترف ابو بلال كبيرة عند التقائه بنورا و هذا يناقض ايمانه و "الزانية و الزاني" كان ينتقد سهيل كيف ارتضى لنفسه معاشرة الاجنبيات و لم يرتضيه لزوجته الثانية ، و كان هو نفسه يقوم بالعمل نفسه مع نور , و كيف ان نور تنتقد زوجة ابيها و هي ما تقوم به نفس العمل دون رابط زواج مقدس موثق. صورة جزئية في قضية اجتماعية واحدة لترسم لنا تناقض المجتمع الاكبر و ضياع الحق و القابض على دينه كالقابض عى جمرة، و تأويل النصوص الدينية كما يرتضيها لتبرير العمل.
و هناك تناقض آخر في قصة الشيخ الاماراتي و بيته الفخم و الاية القرآنية بالنهي عن البذخ ، دلائل اخرى على التناقض كما هو الحال في قضية حقوق الانسان و من شرع لها و من يمارسها و كيف يمارسها.
في آخر صفحات الرواية تظهر اسئلة لتعمق التناقض: افغانستان منطقة جدباء صحراء قاحلة فلماذا اقتتل فيها الروس و الامريكان و القبائل الافغانية لاحتلالها و القيام بتشريد البشر و قتل الالاف ة تعذيب الالاف ؟ هل الهدف هو التعطش للدم ام ماذا ؟
ثيمية العمل كانت التناقضات و محاولة اظهار بداية طريق قد يؤدي الى حقيقة ما يجري، قال الاستاذ احمد خالد توفيق عن الكتاب : ماذا اراد يوسف زيدان قوله او التلميح له؟ اوافقه الراي سيلعب الفأر في العب و نطلب بان نعرف اكثر.
في النهاية ، محال من المحال ان تقرأها مرة واحدة لتفهم فيجب احالتها في جدول القراءات الى وقت اخر لتحيلها الى ما اراد كاتبها ان يحيلها اليه.