راوية الأفلام > مراجعات رواية راوية الأفلام > مراجعة أمل لذيذ

راوية الأفلام - إيرنان ريبيرا لتيلير, صالح علماني
تحميل الكتاب

راوية الأفلام

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

في إحدى المساكن الشعبية البسيطة و الجميلة في الكويت ،كان هناك طفل ذكاءه فذ ،و قدرته على التقليد كبيرة ،و نبرات صوته لديها قالبلية على التشكل و التلون ببراعة ،أطلق عليه والداه إسم "نجم" و قد كان بالفعل نجما في المنطقة التي سكن فيها آنذاك، فكان يشاهد الأفلام السينمائية في بيوت الأسر الثرية و من ثم ينقلها لأحبته و للمعجبين به لاحقا صوتا و حركة،و كانت جهوده تحصل على الإعجاب الوفير من قبل المحيطين به مع صغر سنه،فلغته كانت سليمة ،و تماشت اللهجات التي أتقنها مع اللهجات المستخدمة في الأفلام،و صار يحفظ الأفلام و مشاهداها و يتماهى معها ،و بات جمهوره يطلب منه تمثيل المقاطع السينمائية و تكرارها خاصة أن عدد قليل من الناس في الكويت كانوا يمتلكون أجهزة تلفزيون ،فهو كان بمثابة الناقل الرسمي لما يتم بثه على شاشة التلفزيون و على شاشة السينما لمن عرفوه حييئذ، هو طفل إضطر للعمل في مهن مختلفة و متنوعة نظرا للظروف المعيشية لأسرته ،و لكن تظل قلوب الجماهير متعلقة بصورته كباعث البهجة التمثيلية،و موهبته تضاعفت نجوميتها و صقلتها الأيام أكثر و لمعت للغاية ،هذا الطفل هو الناقد الكويتي النابغة "نجم عبد الكريم" الذي عمل في الإذاعة فأجاد و كتب فأبدع و أبحر في الأدب فنيره،و ما قمت بذكره عن طفولته جاء على لسانه ،و إن كان قد روى تلك الحكايا بطريقة جذابة أكثر ،و فيها ذكريات موجعة و مفرحة أكثر !

فإذا بحكاية تشيلية إسمها "راوية الأفلام" للأديب إيرنان ريبيرا لتيلير ،تبدو و كأنها إقتطعت من حكاية الطفل "نجم عبدالكريم"،و هذا حدث بالرغم من الإختلاف المكاني الجذري و نوعا ما الإختلاف الزمني للحكايتين ، فبطلة الرواية "الحورية ديلسين" كما أسمت نفسها أو "ماريا مارغريتا" كما أسماها والدها ،تروي حكايتها مع الأفلام و حكاية الأفلام معها ، و أيضا هي تروي حكاياتها الخاصة بها اثناء ذلك كالأفلام ، فنلحظ فيلما بداخل فيلم، هذه الحورية بخفة دمها المفعمة بالمرح تصف لنا كيف أن الحياة وضعت الأفلام أمامها ،و ربما كيف هي أصبحت في وسط الأفلام و جزءا منها، هي طفلة وجدت والدها عاشقا للأفلام و لحبها له و لولعها بتحدي إخوتها صارت تبث الأفلام من قلبها لأسرتها ، فّإذا بمارد الخيال و الرغبة في التميز و التألق يتملكان منها و يستوليان على وقتها،فغدت جهود الطفلة منصبة على التوجه للسينما و متابعة تفاصيل الأفلام خاصة أنها كانت الناطق المختار لتمثيل الأفلام من قبل والدها،والدها الذي كانت ظروفه المادية متعثرة و كذلك النفسية،فكانت الطفلة تحول إبهاج ذلك الأب المحبط و الترفية عن إخوتها بتلك الوسيلة ، و مع الوقت إكتشفت الطفلة بأن عائلتها ليست الوحيدة التي تحتاج إلى آمال الأفلام و الروايات ،و إن كانت كاذبة و حالمة أحيانا ،فحيها المترامي في الفقر أيضا كان يترقب حكاياتها و رواياتها ،و هي إندهشت حينما علمت بأن عددا من سكان الحي كانوا يملكون المال لدخول السينما و حضور الأفلام و لكنهم كانوا يستلذون بالأفلام بصوتها أكثر، و الطفلة حاولت تثقيف نفسها بقراءة مجلة سينمائية عثرت عليها، و بالتدرب على الحركات التمثيلية أمام المرآة ،و بتجهيز الملابس و المعدات البسيطة لعروضها التي كان بعضها يتم في منزلها و بعضها في منازل سكان الحي ،و خالط تلك العروض بعض الخداع بين الحين و الآخر ، و أول من تم خداعه كان والدها، فكانت تغير في سيناريو الأفلام التي تتحدث عن الفراق و الطلاق و الخيانة حتى لا تؤذي مشاعره،فوالدتها هجرته بعد تعرضه لحادث أليم ،فصار عنده وجعه جسدي و وجع معنوي، و الوجعان أسراه و حجما دوره لدرجة أن إبنته أصبحت هي المعيل الأول للعائلة ماديا و الداعم الأول للعائلة معنويا ،و لم يكن والدها وحده هو من تعرض لصفعات الحياة ، فهناك من أهل الحي من مروا بأحوال عسيرة أيضا ، و كانت تأخذ ذلك بعين الإعتبار، و وصل بها الحد أن روت لإحدى السيدات فيلما كاملا لمدة ساعتين ،و هي لم تكن قد شاهدته، و نسخة فتاتننا الصغيرة كانت الأحب للسيدة من النسخة الأصلية حسبما ذكرت تلك السيدة لأهلها!

دخل الصندوق ذو الشاشة الفضية لبيوت الحي شيئا فشيئا ، و هو كان المنافس الأشد وطأة لنجمة الحي الصغيرة ، و هذا لم يكن العامل الوحيد الذي حول كوميديا حياتها الساخرة إلى تراجيديا داكنة ،ففيلم حياة والدتها و ما فيه من طموحات محبطة و منكسرة أصبح في خضم حياتها، صار هناك إنعكاس لا يمكن إغفاله ،حياة الأم إنسكبت صورها في حياة إبنتها ، حياة فيها حرمان و خذلان ،حياة فيها أمل يأتي ليضحك على صور أحلامهن السابقة ، حياة فيها صيحة مكتومة تطلقها تعابير تمثيلية صادحة،حياة فيها تمنع عن لقاء الماضي ثم الترامي في أحضانه و من بعد ذلك خصامه،حياة زخرت بالحلم القابع فيها حتى إستشرى على ما تبقى فيها ، حياة ترنو للعيش في عالم الأفلام !

"راوية الأفلام" للأديب إيرنان ريبيرا لتيلير، تشعرنا بإنطلاق فيلم فينا ،و نحن لا ندري !

Facebook Twitter Link .
5 يوافقون
اضف تعليق