مأساة الحلاج > مراجعات كتاب مأساة الحلاج > مراجعة مروه عاصم سلامة

مأساة الحلاج - صلاح عبد الصبور
أبلغوني عند توفره

مأساة الحلاج

تأليف (تأليف) 4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

لو كان للأولياء كرامات يفاخرون بها ويقدسون لأجلها ...فهي من أمرهم لا تعنيني شيئاً.... وإنما أكرم الكرامات في عيني تلك التي تبني في نفسك شرفة علوية يتضاءل منها حجم العالم ..قيمة أحلامك ..عدد أمانيك ...وجوه اشتهيتها.. وأخرى ازدريتها...كل مدح قيل لك فنسيت قائله وما ذكرت إلا نفسك... وكل ذم تناسيته وما نسيت أبدا اسم قائله ..أكرم الكرامات أن توقن انك أنت ومن حولك أحدكما أو كلاكما هو ذنب الآخر وستكفرأنت وحدك عن الذنبين ما استطعت ..وهذه كانت كرامات الحلاج رحمه الله... فهو ليس ممن طويت لهم الأرض أوبسط لخطاهم الماء أو سخرت من أجلهم الرياح ... ولكنه لما كان شاباً لم ينر العلم إلا حيرته فاعتزل الناس و لبس أسبال الصوفية طمعا في أنوار الله ...فلما صار كهلا علم أن لنور الله صفة أخرى عن أنوار الدنيا ..فرقعة الضوء لا تتسع بابتعادك عن خلقه والأرض... بل تضيق وتصغر حتى تصير لها حدود صدرك الضامر ...فخلع سترة الزاهد وحدث صديقه العابد (الشبلي ) بما طاف في نفسه ... فكان هذا من أجمل ما نظمه صلاح عبد الصبور فيما دار بينهما من حوار:

الشبلي: لا يا حلاج إني أخشى أن أهبط للناس ، قد أبسط أجفاني فوق الدنيا ، فأرى يسراها فأتمنى النعمى واليسرى وأرى عسراها ، فأتوقى العسرى ...ويموت النور بقلبي.

الحلاج: هبنا جانبنا الدنيا ..ما نصنع عندئذ بالشر؟؟

الشبلي: ماذا تعني بالشر؟؟

الحلاج : فقر الفقراء ..جوع الجوعى ، في أعينهم تتوهج ألفاظ لا أوقن معناها ..أحيانا أقرأ فيها (ها أنت تراني لكن تخشى ان تبصرني ..لعن الديان نفاقك)...أحيانا أقرأ فيها ( في عينك يذوي إشفاق تخشى أن يفضح زهوك، ليسامحك الرحمن) قد تدمع عيني عندئذ ..قد أتألم .أما ما يملأ قلبي خوفا ،و يضني روحي فزعاً فهي العين المرخاة الهدب فوق استفهام جارح : (أين الله) ؟؟ ورجال ونساء قد فقدوا الحرية .اتخذتهم أرباب من دون الله عبيداً سخريا ...يا شبلي الشر استولى في ملكوت الله ...حدثني كيف أغض العين عن الدنيا إلا ان يظلم قلبي؟؟

الشبلي: مهلا مهلا ...بل انت الان على حافة ان يظلم قلبك !!

الحلاج: لا بل إني أتنور من رأسي حتى قدمي.

وكما تحكي روايات التاريخ أخذ الحلاج يعظ الناس في الأسواق والمجالس والطرقات ويعلمهم حقوقهم و شرف نفوسهم ولما لم يجد الخليفة ما يجرمه به قام بتكفيره بتلك التهمة التي قذف بها العديد من أئمة الصوفية فيما بعد فيما يعرف بمعتقد ((الحلول والاتحاد)) بينما حقيقة الأمر ببساطة هذا الحوار بين الحلاج والشرطي:

الحلاج واعظا الناس متحدثا عن الله سبحانه قائلا : نحن له كمرآة يطالع فوق صفحتها جمال الذات مجلوا ويشهد حسنه فينا فان تصف قلوب الناس تأنس نظرة الرحمن إلى مرآتنا ويديم نظرته فتحيينا ...وان تكدر قلوب الناس يصرف وجهه عنا ويهجرنا ويجفونا ...وماذا يفعل الإنسان ان جافاه مولاه؟ ..يضيق الكون في عينيه، يفقد ألفة الأشياء ...تصير الشمس أذرعة من النيران يلقى ثقلها المشاء ..ويضحى البدر دائرة مهشمة رمادية من القصدير ميتة وملقاة على بيداء ..أليس الله نور الكون ؟ فكن نورا كمثل الله ليستجلي على مرآتنا حسنه.

الشرطي: أتعني أن هذا الهيكل المهدوم بعض منه وأن الله جل جلاله متفرق في الناس؟

الحلاج :بلى ، فالهيكل المهدوم بعض منه ان طهرت جوارحه وجل جلاله متفرق في الخلق أنوارا بلا تفريق ولا ينقص هذا الفيض أدنى اللمح من نوره.

اقتيد الحلاج بعد عظة كهذه إلى السجن وظل به أعواما وما فارق الذكر لسانه ولا الابتسامة مبسمه حتى وهو يجلد ويحاكم امام القاضي(ابن عمر الحمادي) والذي يذكر التاريخ قربه من الولاة وتملقه لهم وأمام (ابن سريج) وهو القاضي الشافعي الذي ظلمه بصمته وبغيابه عن المحاكمة الثانية التي قضي فيها على الحلاج بما يقضى على المفسدين في الأرض فقتل وصلب. .. ومن اجمل ما قرأت في هذه المسرحية كانت هذه المقاطع على لسان الحلاج:

يا رب ..لو لم أسجن ، أضرب وأعذب ...كيف يقيني عندئذ أنك ترعى عهد الحب؟ لكني الآن تيقنت يقين القلب أنك تنظر لي ترعاني ..مازالت تستعظمني عينك. ماز لت تراني أخلص عشاقك ...عين الله عليّ... وهداياه موصولة وطرائف نعمته مبذولة فهنيئا لي ..فهنيئا لي .

ثم هذا الجزء الذي رثاه به تلاميذه ومريديه من بعض كلامه: كان يقول إذا غُسلت بالدماء هامتي وأغصني

فقد توضأت وضوء الأنبياء

كان يريد أن يموت ، كي يعود للسماء

كأنه طفل سماوي شريد

قد ضل عن أبيه في متاهة السماء

الحلاج فقط هو من ستقرأ عنه سيرة شيعية في كتب أتباع الإمام الرضا وأخرى حنبلية عند أهل السنة والجماعة وستقرأه زنديقا كافرا عند غلاة السلفيين ومناديا بالإصلاح الإجتماعي عند المستشرقين الغربيين .. فلا يأخذك العجب حينئذ لأنه كما قال محمود درويش : ((هناك لكل جيش شاعر ومؤرخ وربابة للراقصات الساخرات من البداية والختام )) .. أما الختام فقد اخترت له مشهد البداية في المسرحية : حيث الجسد المصلوب على جذع الشجرة يتقدم نحوه جسد العجوز( شبلي) صديقه الواهن يعاتبه دامعا بالآية : ((أولم ننهك عن العالمين )) ؟؟

أهب هذه المسرحية تقديرا متواضعاً ..لأني تخيلت درويشا عجوزاً فقيرا ًمنبره الأرصفة والطرقات ثم يكيد له الوشاة في الشرطة والفاسدين من القضاة والولاة ...فقط لخوف الكلمة ...للكلمة إذن مُلك ... والله يؤتي ملكه من يشاء... وللمُلك جلال وما قرأته كان فقط ما في الشعر من جمال فرحم الله الحلاج وطيب ثراه

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
اضف تعليق