هذا الرخام تشقق > مراجعات كتاب هذا الرخام تشقق > مراجعة ربى حجازي | Andalus

هذا الرخام تشقق - محمد الحكيم, أحمد قطليش
أبلغوني عند توفره

هذا الرخام تشقق

تأليف (تأليف) (تأليف) 3
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

أو ربما حربائي

مجموعة هذا الرخام تشقق

(المفضلة لدي على الأطلاق )

أضعف من أن أحمل قبساً من النور، مع أني أراه بكل ما أوتيت من خلايا. كلامٌ أخضر لم يبذره في أذنه, عندما كان يعانقه بنهمِ عريشةٍ تمتص جدارا ! راح كلام الآخر يلفحه عندما بدأت الطرق بالمباعدة بينهما:

ـ أعانقك هكذا حتى تتقمصني الإنسانية, بعدما شرّدتها الأوجه المتقنعة لأصحابنا، ضببتنا الجنادل لكن لا تزال فينا احتمالات الحياة .‏

لم يمنحه الوقت بضعاً ليرد عليه، إنه يعانقه ليتشرب الصدق المتدفق منه. سكون المساء، واضطراب الحافلة, نبشت فيه طفولةً في سريرٍ هزاز يستحضر أطياف السكينة.‏

زَحْفُ أقدامه في مبنى الصحيفة, يرجو وجودَ نَفَسٍ بشري في مكتبه، فشتلة طمأنينته لم يكن لها قبلٌ بسأمه.‏

ـ أين أنت ؟ اشتقت إليك، باشرته شفقاً فور انعتاقه من غروبه.‏

ـ اسمك ضوء، أليس كذلك ؟!‏

ذهبت شفاهها إلى حروفه، جرّدته من كلمات تجري كقطيعٍ من النحل على مضمار صمته، لم يعِ أن حريتها أسرته, إلا حين سقطت من ثغره ابتسامة دهشة مكبلة.‏

ـ لا تتصرف هكذا كأنك لا تعرفني!‏

حملق هجير الروح، انداح كحفيفٍ شدّهُ بضراوة, فنفض فيه كلً حبة حياة، هبط الفؤاد الذبيح لكن الهدب تعملق صامتاً! عاقلا بعثر أهلاسه جنونا معها:‏

ـ لم أعرفك إلا منذ بضع قصائد... لمَ لم يكن نور ؟‏

من هناك، من ذاك المحيط السندسي، عادت لتبحر في شوارع مدينته:‏

ـ فليكن أي شيء، لكني أتوق لكلك.‏

كورت أصابعها الخاوية على سؤال عدمي لزج:‏

ـ لم تصافحني، أأمسيت متدينا؟‏

حاول أن يعبر من شقوق السكون الحارق لينحت مكانا ترسو فيه زوارق الحقيقة :‏

ـ أحتاج أن أتعمد ببئرٍ من الصدق حتى لا أفعل. أحجمت كي لا تبتلع كفي بعمقها يدك ببردها.‏

لم يقل لها إنه صافح كلماتها، ومن صادق الكلمة, تصبه لعنتها أو كرامتها، فترفع حسّيته إلى درجة الإشباع، ولا يكون دور طين الجسد, إلا التتويج بالهزيمة أو الانتصار، أما إن كانت هناك خطيئة ستقع لاحقا, فقد وقعت سابقا.‏

ـ رأيت طلب استقالتك، أهكذا تفعل الحرب بك؟!‏

ـ عندما تقوم بعركنا لا يبقى للكلمة مكان.‏

لم يقل لها إن الحرب تكشف عري الكاتب أمام قلمه، فعلى قدر التشوه الذي يكون, يكون حبره. التشوه الذي لم تحدثه الحرب، لكنها تكشفه. وكان هو...‏

ـ لا تكن أحمق. لمن ستتركني ؟‏

أوصد مستطيل الرحيل على زوايا الروح :‏

ـ إن كنتُ بداخلك مساحة، عليَّ أن أستخلف أحدا فيها قبل رحيلي، سأدع لك سرب كلامٍ يهدهدك ليصالحك مع ذاتك.‏

أطلت من نافذة أملها على حديقة ألمه :‏

ـ تترك لي الهروب مني .‏

تعثر جوابه الذي كان يحيكه في نفسه، سقط من شفتيه شلوا على وضم:‏

ـ أترك لك شيطاناً يحرضك على خيانة روحك.‏

ـ شيطان!‏

ـ ... لا تأبهي ... كانت مجرد مزحة ...‏

ـ ليكن.. خذني .. خذه معك إنه لطيف.‏

ـ أصبح كلاسيكياً، مللته، والشياطين البغيضة فقدت قدرتها فينا .‏

ـ إذن ماذا تبقى؟‏

ـ الشياطين الحكيمة.‏

ـ لا أدري.. لكني أحبك أعمق.‏

ـ سأخرج أمشي في الشارع.‏

ـ أريد تفتيت مللي.. دعني أرافقك.‏

ـ تجاذُبُ خطواتنا يبعث عنكبوتَ الوحشة على نسج غباره فوق ضعفك وحماقتي، بعد أن ينفض جمرك, يردّه ناراً ترفعنا لنزهةٍ سحابية، وتعود رماداً، تابع في صمته:‏

ـ يحيلك امرأةً من رخام، وأنا أمحو احتمالات الحياة التي خربشها الآخر فيَّ صباحا.‏

كانت عيناها تلمعان بعتبٍٍ يعد بدمعةٍ تتشكل، دمعة شفيفة قاهرة لا قبل لسريرته بستر أسراره المقهورة عنها.‏

كان ذاك سهما مرَّ عميقا في فكره، ونفذ فيه, فراحت أفكاره تنفد منه، ولا يعبأ أكانت تخرج من شفتيه أم تترامى داخله، حين نبتعد عن منبع النور، تستقيل أسئلتنا من دوامة البحث عن الأجوبة، فنصاب بالفراغ، وما أن نلمح أي التفاتة حياةٍ في روحٍ, نصافحها حتى نمتصها بكل ذئبيةٍ وصدق. سطّر حروف نجواه على أحلام جفنها الساجي: شعور الحب الذي ذكرته، لا أراه حينها إلا كغبارٍ ملونٍ يعتلي وجهك، أو وشاحٍ يلف عنقك.. أبحث عن اللامتناهي، لا عن قطعة حلوى، لا عن زهرةٍ يذبلها الموت فور ولادتها.‏

مسّــــت روحه روحها بمعمودية المطلق السرمدي :‏

ـ ربما أبحث عما خلف دمعتك، عن صنوبرةٍ تظلل ذلك الوجد اليبيس.‏

ـ ما بك صامتا كالموت؟!‏

أصلح من جلسته، داعب كوب قهوته البارد... هبطت أفلاك عينيه إلى عتمة شفتيه:‏

ـ لم لا تحسنين انتقاء ألوان ثيابك؟ هل يليق أن ترتدي السماويَّ مع البنيِّ والأبيض؟!‏

وبكمٍٍ مضحكٍ من الدهشة سألته:‏

ـ أين السماوي ؟!‏

ـ ... ابتسامتك .‏

أحمد قطليش

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق