هذا الرخام تشقق > مراجعات كتاب هذا الرخام تشقق > مراجعة أحمد قطليش

هذا الرخام تشقق - محمد الحكيم, أحمد قطليش
أبلغوني عند توفره

هذا الرخام تشقق

تأليف (تأليف) (تأليف) 3
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

قصة من الكتاب:

ـــ كأن الهديل تحجر ـــ

 

 

 

 

 

صوتها المغتسلُ شحوباً، المتنامي من صدرٍ تماهى بالصمت حتى اختمار الألم، وهدهدة السكينة ،فراشةً ترفأ أشلاء طمأنينتنا.. وبتواطؤ حناجر الجوقة جمعاء، أرعد الصوت ، فأفزع غيم أرواحنا، ليهطل حزنٌ عتيقٌ جميل ، يعيرنا فسحةَ صدقٍ لاتكاء الحقيقة على أكتافنا .. لا تكاد تسكب دلواً من النور حتى يخنقها التصفيق ... نعود أكثر عطشاً، أكثر عتماً ..

كانت بصمت كبريائها تشعل أعواد الكبريت ، وتصفها تباعا في منفضة السجائر متحدة معها ومع بضع سمكاتٍ في حوضٍ زجاجيٍ ملتصقٍ بالطاولة،كان قد أحضر فنجان قهوته وجلس قبالتها متابعاً في شرودٍ أركع الضجيج حوله، وقتله بلا مبالاته.ـ ماذا لو حطمت هذا الحوض؟!لم ييمم وجهه شطرها متهيبا لهيبها ، بل فض بفظاظة حلقة فنجان قهوته المتأرجح بين إصبعيه.- ستبكين!

في لحظة صدق موجعة ، ما كان لجزء حقيقي أن يلتهم زيف المطلق أكثر منها ..

ــ لكنني سأكون سعيدة .

طمائر عينيها تؤكد أن المدينة حين تتنفس الصباح تصبح فضاءات قلبها معها أكثر اكتنازا . أفزعها غوصه بها ، خافت أن يغرق .

زمَّ شفتيه ثم اغتصبهما بابتسامةٍ أكرهها على الارتسام:

ـ ربما ... ربما ستبكين فرحا

.

مثلها .. يدرك أن عبرة تهريقها البتلات تهمد سعير شنآن الحروف المذعورة ..تشاغلت عنه لكن علبة الكبريت فرغت. الأصوات التي كانت تطعن المكان أغمدت ، الكلمات تبخرت بعد انصراف معظم رواد المقصف. لم تجد أي شيء آخر تشتق منه تسلية تفتت هواجسها . ـ كفَّ عن الصمت !! الصمت يستحضر أشباح الأفكار لتبدأ مناوشاتها في رأسي ، هجرتها منذ حينٍ فتعاظمت قدراتها،كف عن الصمت ، لست مستعدةً لاستقبالها.تنبهت إلى نبرتها الحادة، عادت للانكماش ، وأردفت بصوتٍ مربد :

ـ كيف أتخلص من هذا الحزن المتكون فيَّ.

ـ تتخلصين منه ! لمَ. ...؟؟ وهل تملكين القوةَ لتحطيمه، لتحطيم الحوض؟.

ـ أحطمه كي أخصّب قوتي، أحرث أحلامي ، أخرجها من سباتها.

جس روحها مستكشفا بشغف سنونو تختزل مدامعه الزمان قبل أن ترتل قوادمه قصائد الرحيل :

ـ ربما لن تكوني إلا كالزجاج الذي سيتشظى، إن لم تدفعي ثمن ما ستأخذينه من جذل .

أخذ يمرر كفه على جدار الحوض قائلاً : ماذا لو حطمته أنا ؟!

أرجعت ظهرها للوراء مدفوعةً بضحكةٍ متقطعةٍ أفلتت منها كوعل حرون :

ـ هل تملك أنتَ القوة والثمن ؟

ـ عندما أقتلك بداخلي سأستطيع. ويكفيني قليلٌ من الحزن. قليلٌ من الحزن يكفي.

آبت الزهور إلى كعبة الأريج المرخم وترا :

ـ الأغنيات السخيفة غبارٌ سريع الهروب ، أما تلك التي تحلق بنا فهي ما ينخر في ذواتنا ،تحورنا بمكر، فلا ندري أتزيدنا حياةً؟ أم تقتلنا بلذّة ؟

ألقت الجذور شغافها على شفاهها :

ـ تدليت أنت من شرفة الروح، عريشةٌ رُبطت على صنوبرة فكري ، راحت تورثها اخضراراً لا تعرف كيف تتشربه.

كانت قد أسلمت استيعابها لرقصات الأسماك.أحمق هو ، أَخبرتهُ أنها لا تريد أن تحرك خاملاً في رأسها.لملمتُ القطع المتناثرة من آلة التصوير التي فشلتُ في إعادة تركيبها بعد سقوطها وتفككها خلال الأمسية.سحبته خارجاً بعد إيماءة وداعٍ تركتها لها، وكلمةٍ تركها هو : " تتخلصين من الحزن ؟!" ربع ساعةٍ من السير مصحوباً بالصمت الذي غيّبه الهباء، حتى الأذان الذي بدأ يصافح الهواء في الأزقة بأكفه اللا متناهية ، ما استطاع أن يصافح روحه. الأذان الذي كان دائماً ما يغري روحه بالابتسام... غاب عن سفر الآذان.أحد السكارى السادرين في الطريق ركض نحوه ، دفع صدره بقوة،ما اهتزت قامته السامقة ، ظلّ واجماً كالسنديان المخدوع ، دفعه أخرى وأنا حيدتني الدهشة. شعرت بهما يتبادلان حديثاً عميقاً ، متشابهين كانا.الكدر أخذ ينطف من مسامه ليكشط ملامحه بعد أن استطاع أخيراُ فتق التبلد الساتر لكيانه. وما أن انتشر فراش أذان الإقامة الذي يأتي دائما بصوتٍ شجيٍ منخفض ، حتى احتشدت الابتسامة على وجهه.أمسكه من كتفيه ، شد عليه ، ضحك في وجهه، تابع سيره غير منتبهٍ لصحبتنا في الطريق.لو أن شيئاً ما على بعد ربع ساعة من السير يتحطم .... لو أن شيئاً ما يتحطم.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
2 تعليقات