كتاب (خافية قمر) للكاتب محمد ناجي ،
بين ثناياه قصة إبن المجروح،
و ما في نفسه من جروح،
جروح تشبث الجدات بعقله،
و جروح ما خلفه له جده إدريس،
و جروح ولعه بسلمى،
و جروح تيهانه،
و جروح وحدته،
و جروح عزلته،
و جروح خوفه.
هي جروح عبدالحارس إبن المجروح،
فعنده جروح سببتها له نفسه و جروح ورثها عن أهله،
و هي كذلك جروح ضحكاته،
تلك الضحكات التي لم يحجمها يوما،
فهو كان يتعمد عدم تأجيلها،
و يسعد بتضخيمها،
هي ضحكات يقتص فيها من نفسه،
و من عالمه الأسطوري،
و من هم في منأى عن هذا العالم،
فنطاق صلاحية ضحكاته متسع للغاية،
و هو لا يقبل التسوية في الضحك مع نفسه،
فقط فبحث عن زمرة تشاركه شغفه،
و إستمر في التردد على هذه الزمرة حتى وجد ضالته،
و في رنات ضحك عبدالحارس رثاء مسموع،
إمتلأت الضحكات بأطياف الماضي و ما ورد فيه من ممنوع،
و ضحكاته لا تسكت فهي تجدد الإستغراق في الموضوع،
رنات الضحكات تتضح أكثر لنسمع في آخرها صوت رنة خللخال خافية قمر،
و عندها يتعذب قلب إبن المجروح أكثر و تتذبذب الأفكار في ذهنه أكثر ،
فيود لو أنه ينسى الموضوع،
هو باح لسلمى من قبل برغبته في الإبتعاد عن الموضوع،
مع إن بوحه كان معروف و مفضوح،
فجروحه و إن لم تعد في أرضه ،
هي لا تبور.
أراد أن يغيبها عنه
فلجأ للإغتراب
و لم تنجح حيلته،
و لجأ لإهلاكها بإسكارها
فزادت رغبته في الفضفضة ،
فظن أن الفضفضة أمام الغرباء لن تضره.
فجهز نفسه للعثور على إبن ملوك مثله
و إذا به يوافي حفيد الزباء،
و يوغر في فضفضته معه ،
فصار يقول الحكاية بما فيها من محلية مغرقة ،
و نوادر مضحكة و مطامع مزعجة،
حتى إنه ردد ما قالته أفواه الجدات ،
بما فيها من مفردات و مفرحات و منغصات،
هو ليس في أحضان أرضه،
فزينت له نفسه أن يحرث حكايته في غير أرضه ،
فالأراضي الآن تشابهت عليه
و الناس كلهم باتوا أهله،
و إنتعشت روحه بنشوة الإرتياح،
فإذا بأيد تأتي مع الرياح ،
هذه الأيدي لم تنتظر الصباح،
فهي تتصور أن كل شيئ بالنسبة لها مباح ،
و في لمح البصر غادر آخر مستمع له
ترافقه رنة خلخال خافية قمر!