أصفر .. أزرق .. أخضر > اقتباسات من كتاب أصفر .. أزرق .. أخضر > اقتباس

نزلت في المحطة التالية، وتذكرت فورا الأتوبيس المصري السحري، الذي انبثق لي من قبل، وأنقذني في لحظة حالكة، حقا في الليلة الظلماء يفتقد البدر وفي ألمانيا أفتقدت أتوبيسات مصر، ذلك السائق الألماني علمني حقا قيمة السائق المصري، الذي سيقف لك في أي لحظة كي ينتشلك من غياهب الضياع، هكذا يتوقف في منتصف الطريق لامراة عجوز تلوح بيأس كي تذهب إلى بيتها، تمتد لها ألف يد كي تنضم إلى الجمع الغفير بالداخل، حتى لو فوت محطتك لا بأس، سيمنحك السائق فرصة النزول، ولو لم يمنحها لك، فالباب لا ينغلق أبدا، مفتوح باستمرار، هكذا كنت استمتع بإحساس الطيران وأنا أنزل مسرعة بعكس اتجاه سير الأتوبيس، وأدرب قدمي على السير خطوتين أو ثلاثة، هذه مهارة لا يتقنها سوى المصريون، ان تنزل من أتوبيس يسير بالفعل، دون أن تقع، لها تقنية معينة تجعلك تشعر بلياقة غير عادية.

السائق الطيب سمح الوجه لا يضع حد أقصى للركاب، مركبته تسير بالبركة، وتنطوي على تلاحم شعبي

حقيقي.

حتى الأتوبيس نفسه يصير بعد فترة مصريا حقا، هكذا "يشحر" ويصدر عنه الدخان ويعلو صوت موتوره، لكنه لا يتعطل أبدا، فهو يشعر بالمسئولية تجاه تلك الأعداد الغفيرة، هكذا تجد أكثر الأتوبيسات تسير بينما "الكبوت الخلفي" مفتوح ليحظى بالتهوية ويتمكن من مواصلة عمله، في تلك اللحظة تذكرت المثل المصري الأصيل: "اللي يشوف مرات أبوه يعرف قيمة أمه".

مشاركة من Rehab Loay ، من كتاب

أصفر .. أزرق .. أخضر

هذا الاقتباس من كتاب