يسمعون حسيسها > اقتباسات من رواية يسمعون حسيسها > اقتباس

نحبّ الحياة . خلقنا لمباهجها . فإذا زجّوا بنا في النّار اليوم ، فلا بأس أن تنضج أجسادنا قبل أن تتحمّم بالنّور وتغتسل بالنّدى حال خروجها . حينَ أخرج من هذا الجحيم سأعبّ من ماء الحياة ما يكفيني لكلّ الغيابات المحتملة . سأشرب من كأسها حتّى الثّمالة . سأرقص في ساحاتها حتّى أدوخ . سأعوّض الحرمان الّذي لفّ كلّ خليّة في جسدي إلى عطاءٍ دائم . سأتسلّق كلّ الأشجار الّتي لم أتسلّقْها من قبل . سأشمّ كلّ الورود الّتي مررتُ بها دون أن أعيرها التفاتي ، وأملأ برائحتها رئتيّ حتّى تَسكَرا عِطرًا . سأركض في المسافات حتّى تأكل الأرض من قدميّ . سأفتح ذراعيّ للشّمس حتّى تسقط بينهما . سأسبح في كلّ الأنهار والجداول الّتي وقفتُ على ضفافها في السّابق كأبله . سأحمل ابنتي على كتفيّ وأطوف بها كلّ حواري القرية مثل مجنون . سأقف على أبعد تلّة تقابل بيتنا وأصرخ بملء فيّ حتّى يسمعني كلّ إنس وجنَّ على التلّة المقابلة . سألوّح بيديّ لكل العابرين في الطّرقات حتّى تتقطّع يداي . سآكل من كلّ ثمار الأرض حتّى ينتفخ بطني . سأبني من الحجارة منارةً وأصعد فوقها لأرى البعيد المجهول الّذي تغطّيه الجبال . ثمّ أنزل فأهدم برجي بيديّ . ثمّ أعود فأبنيه من جديد ، وأصعد لأنظر نظرةً أخرى . ثمّ أنزل عنه فأهدمه . ثمّ أبنيه ، فأهدمه ثمّ أبنيه ... حتّى أموت . سأجمع مئة فراشة من مئة لونٍ وأصوغ منها لوحةَ لم يصغها فنّان قبلي . سأنادي كلّ العصافير والبلابل والحساسين والسّنونوّات والحمامات والدّوريّ والعُقاب والنّسر والصّقر ، وأصيح فيها بعشقٍ مُخثّر : يا طيور الشّام اتّحدي !! هذه هي الحياة ... هذه الحياة ...

هذا الاقتباس من رواية