مقهى سيليني > اقتباسات من رواية مقهى سيليني > اقتباس

يهرب المتوحدون إلى أماكن خفيَّة تحتوي أجسادهم كحضن. يجدون راحتهم خلف الأرائك المهجورة وتحتر سرائرهم أو في أركان الحجرات المظلمة، تظمئن أرواحهم في المساحات الضيقة، فيهربون إليها بإرادتهم كما لو كانت مقابر سريَّة للحياة، وليس للموت . كانت "رقيَّة" تصنع لنفسها تلك الأماكن الخفيَّة بمهارة في بيتهم العتيق المكوَّن من ثلاثة طوابق حيث ترتبط كل مرحلةٍ في حياتها بطابق.

كان القبو (البدروم) يقع أسفل مستوى الباب الرئيسي، له سلم دائر بدون درابزين، يختفي "الحجَّام" بداخله بعد الانتهاء من عمله، وكان الطابق الثاني مكونًا من خمس حجرات واسعة عالية السقف، بنوافذ طويلة لها شيش خشبي تمنح البيت شمسه بسخاء، في حجرة الحجامة شرفة رحبة تسري مع حرارة الشمس نفحات هواءٍ رطبة تعادل بنسيمها حرارة الوابور الذي يستعمله الشيخ "حسين الحجّام" في تعقيم الموسى وحرق أوراق الذَكر بين كل جلسةٍ وأخرى، كانت رُقيَّة تفتح شيش الشرفة على اتساعه لتطرد الأنفاس المتألمة بأوكسجين طازج، فتعِّب الشرفة المفتوحة من الهواء أمواجًا لم يسمها الزبائن حجرة "بحرية" من فراغ!

مشاركة من إبراهيم عادل ، من كتاب

مقهى سيليني

هذا الاقتباس من رواية