مدن تأكل العشب > اقتباسات من رواية مدن تأكل العشب > اقتباس

ثمة شيء يموت هنا.

وقف بيتنا فارغاً من كل شيء. ليس به سوى صحون معلقة بداخل العشة تصدر أصواتاً مع دفعات الريح القوية، وصدى مهول يستفز الرعب لأن يلتهمك، فتتقوض، تنهار، تغدو حطباً تجهز ذاتك للاحتراق، تتلمس أطرافك تتأكد أنها لا زالت ترافقك، تضمها خشية أن تفترقا في أي لحظة، وتتركها مدلاة من جذعك وتهتف (هذه الأطراف هي أول من يحترق) وتقف وحيداً، تقلب بصرك.. مكان موحش، وحكايات قديمة وأنت الحاضر في زمن الهرب، مقبرة دخلتها لأستعيد من داخلها الماضي الذي عشته ذات يوم...، مكان موحش وحكايات قديمة تنثال من الذاكرة.

وفار الماضي بصوره الوديعة التي التصقت بالمكان. هنا طلب أبي شربة الماء قبل أن يحجب وتخرج به أمي أوصالاً تودعها التراب. هنا جلست لأتحنى قبل السفر. هنا كنت أجلس لأقرأ القرآن على مسامع أمي. هنا ينام إخوتي. هنا كانت تحضنني أمي وأنا عليل أمسك بجروح ختاني ودلالي عليها. هنا قالت جدتي:

ـ لا بد أن يتغرب يحيى.

هنا كنا ندس ملابسنا التي تبعث بها خالتي. هنا نجلس حين ينهمر علينا المطر. هنا وهنا وهنا... يا الله.. أين تلك الحياة الصاخبة.. أين أمي وإخوتي.. أين الطرقات التي تمتلئ بالناس وتتمايل لضحكاتهم وتعلق لأحزانهم فرحة قادمة، وتعدهم الحقول بعام ضاحك.

مشاركة من إبراهيم عادل ، من كتاب

مدن تأكل العشب

هذا الاقتباس من رواية