لن نموت ساكتين > اقتباسات من كتاب لن نموت ساكتين > اقتباس

مرة حين كنت طفلة تؤمن أن نهاية العالم هي كل شيء خلف الجبل المحاذي لبيتنا، كنت اصطدت جرادة وبعد مرور دقائق أصبحت صديقتي وبدأت أخبرها بقوانين جدتي وعادات أبي السيئة وأوصيها على أمي الطيبة ، وقلت لها سرا إنني أحب الموسيقى وأنني أشعر حين أسمعها بين فقرات الأخبار أن العالم يحتفل وأن الأحزان ترتطم ببعضها وتسقط في خندق ضيق وعميق ، شاركتني أختي هذه الصداقة لكن السر بقي للجرادة وحدها، كنَا نعتقد أننا حين نلفها بالمنديل فستشعر بالدفء وتنام ، وبالغنا في العناية بها فعرضناها لحمامات متتابعة من الماء وراقنا ذلك الحنان حتى ابتكرنا لها اسماً وعمراً ووجبات لكنها ماتت بعد ساعة من كل هذه الصداقة الفظيعة، حزّنا بعمق بل إننا بكينا، ورمينا التهم على بعضنا بالضلوع في قتلها، وتذكرنا بسببها كل خلافاتنا الصغيرة الفائتة، وتشابكنا بالأيدي ، وتوعدنا بعضنا بإخبار أمي بكل ما نملكه من أسرار وسرقات وأخطاء على بعضنا، لقد بكينا كما لو أن آخر شخص معنا على الكوكب قد مات، وحزنّا كما لو أننا ضعنا ولن يجدنا أحد، ثم وبعد مرور كل هذه الشحناء ، جمّعنا الالتياع والشعور بالشفقة من جديد، واقترحت أختي أن هذه الصديقة المسكينة الوحيدة المغدورة عليها أن ترقد بسلام على الأقل، فحفرنا لها قبرا ودفنَاها ونحن تتقطَع قلوبنا عليها وهي تغيب في التراب الذي نحثوه نحن بكثير من الندم والفجيعة، ثم اقترحت أن نصلي عليها فوقفنا في خشوع وانكسار وكأننا قتلنا كل من على الأرض ونريد مغفرة من أحد، كنا نطيل الركعات ويكسونا العار على قتل هذه الصديقة البريئة التي كانت أضعف منا، وصرنا صديقتين من جديد، وتعاهدنا أن نزور قبرها كلما ضربنا الكبار دون سبب، أو شعرنا بالظلم ، لكنا كنا نزورها كل يوم حتى نسينا.

مشاركة من إبراهيم عادل ، من كتاب

لن نموت ساكتين

هذا الاقتباس من كتاب

لن نموت ساكتين - سدرة, احتمال وارد

لن نموت ساكتين

تأليف (تأليف) (تأليف) 3.8
أبلغوني عند توفره