ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين > اقتباسات من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين > اقتباس

وإذا تغلبت جماعة تجحد المادة أو تهمل ناحيتها ولا تهتم إلا بالروح وما وراء الحس والطبيعة، وتعادي هذه الحياة وتعاندها، ذبلت زهرة المدنية، وهزلت القوى الإنسانية، وبدأ الناس -بتأثير هذه القيادة- يُؤْثِرُوْن الفرار إلى الصحاري والخلوات على المدن، والعزوبة على الحياة الزوجية، ويعذبون الأجسام حتى يضعف سلطانها فتتطهر الروح ويؤثرون الموت على الحياة، لينتقلوا من مملكة المادة إلى إقليم الروح ويستوفوا كَمَالَهُم هنالك؛ لأن الكمال في عقيدتهم لا يحصل في العالم المادي، ونتيجة ذلك أن تحتضر الحضارة وتخرب المدن ويختل نظام الحياة.

ولما كان هذا مضاداً للفطرة لا تلبث أن تثور عليه، وتنتقم منه بمادية حيوانية ليس فيها تسامح لروحانية وأخلاق، وهكذا تنتكس الإنسانية وتخلفها البهيمية والسبعية الإنسانية الممسوخة، أو تهجم على هذه الجماعة الراههبة جماعة مادية قوية فتعجز عن المقاومة لضعفها الطبيعي، وتستسلم وتخضع لها، أو تسبق هي-بما يعتريها من الصعوبات في معالجة أمور الدنيا- فتمد يد الاستعانة إلى المادية ورجالها وتسند إليهم أمور السياسة وتكتفي هي بالعبادات والتقاليد الدينية، ويحدث فصل بين الدين والسياسة فتضمحل الروحانية والأخلاق ويتقلص ظلها وتفقد سلطانها على المجتمع البشري والحياة العملية حتى تصير شبحاً وخيالاً أو نظرية علمية لا تأثير لها في الحياة، وتؤول الحياة مادية محضة.

هذا الاقتباس من كتاب