بغداد السبعينات: الشعر والمقاهي والحانات > اقتباسات من كتاب بغداد السبعينات: الشعر والمقاهي والحانات > اقتباس

"غالبية الأجيال الشعرية والأدبية والفنية في العراق، كانت تلوذ بالمقهى، المقهى في تلك الأزمنة لم يكن يقل عن مستوى البيت، لا بل كان هو المسكن والملجأ والمأوى، البيت كان فقط للنوم في الليل، بينما المقهى هو المكان الذي كنا نكتب فيه نقرأ ونأكل الشطائر ونشرب الشاي والحامض والبارد من سينالكو ومشن وبيبيسي وميراندا، وكنا حتى نأخذ أحياناً قيلولة فيه وقت الهواجر"

"كان سجناء الرأي من كتاب وفنانين، حين يتم إطلاق سراحهم، لا يعرفون إلى أين يمضون، فيضطرون إلى اللجوء إلى المقهى من دون جلبة وعناء ودوخة رأس، لكي يتدبر أمرهم من سيرونه هناك من الأصدقاء"

"كنا والحالة هذه فقراء الحال، ولكننا كنا أغنياء في العقل والمنطق والحكمة، جيوبنا خاوية دائماً، ووجوهنا يلوح عليها نقص في التغذية، لدينا رهاب وفوبيا من الانضباط العسكري ورجل الأمن والمخابرات والحزبي والصاعد، كنا نأتي إلى المقهى ونحن نتلفت يمنة ويسرة، عيوننا مثقلة من قراءة الكتب وشفاهنا يابسة من التدخين، وهيأتنا متعبة من السهر والشراب اليومي.

"كنا إذاً شبه مجانين، عدميين نقضي الأوقات في تقصي الجديد والغريب والمثير، ونعيش حياة بوهيمية، نريد من خلالها أن نلتهم العالم دفعة واحدة، عبر قراءات طويلة، في مكتبات مثل "المهلب بن أبي صفرة" و"الخلاني" و "الدار الوطنية"

"هناك شوراع تشيب وتهرم وتتقاعد ويصيبها الوهن والتعب ما لم تُعَد صياغتها من جديد ويُرَدُ الألق لأفقها والإدامة لهيئتها المتربة والمتأكلة"

"أغيب عن الشارع(شارع الحمراء) أحياناً قرابة العام وأحياناً أقل، وحين أعود إليه أذهب لأرى ما طرأ عليه خلال فترة الغياب هذه فأجد فعلاً ثمة تغيرات طالت بنيته الجمالية، ففي زيارتي الأخيرة له مطلع هذا العام، وجدت أماكن كثيرة قد أغلقت كالمقاهي والفنادق و المطاعم، ولكن سرعان ما حال غيرها، لا بل أكثر منها عدد"

"سألت(عبدالوهاب البياتي) عن حال سعدي يوسف في بيروت فقال لي: سعدي شاعر كبير، ولكنني فوجئت بتصرفه الجديد، وهو حلاقة شاربه وارتبداؤه ملابس الجنز والتصرف مثل الخنافس والبوهيميين فهذا تصرف لا يليق به وبمقامة الشعري"

"الآن حين استعيد الوجوه الصديقة لتلك الفترة، تقع عيناي مباشرة على شاكر لعيبي حين يدخل إلى المقهى، متحفزاً، باحثاُ عن وجه يجالسه وهو يفرك جبينه المتعرق ويمسح راحة يده المتعرقة هي أيضاً حائراً وسيجارته مشتعلة وكتبه كالعادة بين يديه، يدخل خليل الأسدي، حزيناً، مطرقاً وسيجارته لا تفارق شفتيه، يدخل صاحب الشاهر بوجهه الطفولي وضحكته الآسرة باحثاً عن الثلة، وديوان شعر قديم في يده، يأتي زاهر الجيزاني، ساهماً، قلقاً وقصيدته في جيبه، القصيدة التي يُجري عليها عشرات التعديلات حتى تضمحل لتصل بالتالي إلى صيغة نهائية، وقد لا تصل إلى صيغة نهائية حتى بعد أن يطبعها، يدخل خزعل الماجدي مرحاً مع حزن خبيء ينطوي عليه في حالات سرحانه وغوصه في كتاب يتصفحه، يحضر كمال سبتي مع صوته المتبعثر ولغته السريعة التي تفقز من فمه بعد أن كانت أسيرة في داخله، يجلس رعد عبدالقادر هادئاً بسنه الضاحك وصمته الرقيق، يأتي سلام كاظم حاملاً طرافته معه وحيويته البهيجة، سلام الواسطي يدخل حاملاً حقيبته الجلدية وضحكته العفوية..."

"معظم أبناء جيلي من الشعراء والكتاب والفنانين يتعاطون الشراب، ولم أرَ شاعراً أو رساماً أو ممثلاُ أو موسيقياً أو كاتب أغنية أو صحافياً أو قاصاً وروائياً أو كاتباً ومترجماً من هذا الجيل لم يشرب إلا في حالات نادرة واستثنائية، لا بل كان هناك الكثير ممن يفرطون في الشراب في الظهيرة والليل"

هذا الاقتباس من كتاب