تخاطب الرواية مجتمع التلقي كسردٍ واقعيِّ لا يخلو من الكوميديا السوداء التي أثثها الكاتب كمقوم أصيل في ملامح شخصية السارد، كمثال على قدرته على الصمود في وجه كوارث الحياة وقسوتها،إنها انعكاس لأيديولوجية التفاوت المجتمعي الذي اختُزل إلى الدونية و الحضيض في صراعات طبقية تحكمها نخبة السلطة،إنه إحساس دائم بالمديونية الأخلاقية والنفسية أمام فساد لا نهاية له، إلى أن يفضي (لعزيز عواد رمز الإنسان العربي) إلى مزيد من اليأس و الخذلان وإفراغ أصالة المجتمع من قيمه ومضامينه، فهو سيفقد وظيفته في الأرشيف بسبب علاقة عاطفية تجمع رئيسه قي العمل مع امرأة تهكم على تمزق ثوبها العرضي بحسن نية،وسيفقد زوجته بسبب كبرياء فارغ لا يوائم لغة الفقرالخافتة، و سيضيع ابنه بسبب ظروف البيت الفقير المقدع، و سيسيىء لحريته مرات عدة مع مهند في مغامرات البحث عن فرصة الحياة.
تبدل الرواية انعكاسها الواقعي كمنفذ لعودة عزيز إلى ما يشبه حلم التشبث بالحياة،الحياة التي لا تليق لبطل تراجيدي،إنها حياة المقابر المسالمة، و ما اصطدام البطل بالنقاش إلا انعتاق روحي فلسفي يضمن الرغبة في الحلم، إنه إشراق ينقل البطل من التغريب إلى علاقة واعية بالروح والتمرس بها للاشتباك مع عالم الأرواح البريئة وللغرق فيه، فيغدو أسير دهشة هذا العالم البديل النقي،عالم الضحايا الناصع، الذي ينتمي له البطل أخيرًا ويلعب دور المنقذ النبيل فيه، عالم شفيف ملتبس يشظي ملمح الموضوعة الواقعي العام إلى مقاربة صوفية تخيلية تستبدل الفناء والانتماء والغياب بالملاذ البرزخي الرمزي.وما نجاة المواطن العربي في ظروف موته المسمى حياة إلا بالهروب نحوعالم روحي لا تغريب ولا قهر ولا حزن فيه.