اقتباسات من كتاب متحف لزائر وحيد

نظر إلى مقاعد عربة السيدات الفارغة لمح من الشباك شابة تكب صدرها على مقود الدراجة البخارية ترمقه بنظراتٍ نارية عبر خوذتها السوداء.‏

وحفظت من الموسكي كل أغاني أحمد عدوية بداية من "زحمة يا دنيا زحمة" والتي أُجزم أنَّ كاتبها كان يقصد بالدنيا حي الموسكي، مرورًا بأغنية "السح الدح امبو" والتي سألت أمي عن معناها ففكرت قليلًا قبل أن تجيبني بأنَّ المؤلف رأى سيدة بدينة تلم شعرها بمنديل "بأويه"(1)‏ تجلس أمام ساحة بيتها في حارة من حواري الموسكي وهي تنطط ابنها بين يديها إلى أعلى وتدلله بهذه الكلمات، وقد صدقتها وقتها لأني أسمع النساء يدللن أبناءهن بكلماتٍ غريبة؛ فبدا الأمر منطقيًا لكني لمَّا كبرت وعرفت أمي أكثر فهمت أنها لا تحب أن تبدو أمامي أنها تجهل شيئًا أبدًا.‏

"فهمي" ولد يقع ترتيبه السابع بين أربعة عشر ولدًا وبنتًا، إذا غاب فلن يلحظه أحد، وإذا حضر فلن يرحب بتزاحمه على لقمة العشاء أحد، لا الأب الذي أقعده هم التفكير، ولا الأم التي أنهكتها محاولات التدبير، وهو يشبه أخوته الصبيان؛ فلا تُفَرِق الأم بينهم إلَّا من خلال التركيز الذي يعد رفاهية لا تملكها؛ فهو أيامًا في نظرها فهمي، وأيامًا أخرى حلمي، وجدي، صبري، ولم يعدْ من إشفاقه يهتم بتصحيح اسمه وتحديد هويته بين أخوته ذلك التائه بين أسرته، رأى الضوء وهو يُسلَّط على الفراشات وهن يطرن على مسرح الأوبرا بفضل ذاك الحذاء فتمنى من كل قلبه امتلاك واحد.

"ستبقى يتيمًا حتى تحب العالم" تلك حكمة صاحبي، "وستبقى حزينًا حتى يحبك العالم" تلك نصيحة زوجتي، أما معتقدي الذي أؤمن به أنك ستبقى فريسة حتى تملك العالم عندها فقط ستتحول إلى ضارٍ تهابك الطرائد وتتربص بك الضواري طمعًا في مملكتك. عملت وفق ما أعتقد ففزت بمبتغاي الهيبة، المال، الجاه، ومعهم جاء التربص.