الأبيون – ليث طاهر

تعالى أقولك بقى… الرواية دي مش حكاية سيوف وخيول وخناقات وخلاص، دي حكاية ناس كانت فاكرة إنهم أقوى حاجة في الدنيا طول ما هم إيد واحدة، وفجأة اكتشفوا إن أخطر عدو مش جاي من برّه… جاي من جوّه الصدر.

الأبيون دول مش قبيلة والسلام، دول فكرة. فكرة إنك تبقى واقف جنب أخوك مهما حصل، إن الكرامة تبقى أغلى من النفس، وإن اسم القبيلة يبقى تقيل على اللسان قبل ما يبقى تقيل في المعارك. بس الفكرة دي للأسف بتبقى هشة قوي أول ما الطمع يدق الباب، والغيرة تدخل من الشباك، والحقد يلبس لبس الحكمة ويقعد ينصح.

الرواية طويلة آه، 465 صفحة، بس الطول هنا مش حشو. الطول هنا شبه نار تحت الرماد، كل صفحة تزود الإحساس إن في حاجة سودا جاية، وإن المصيبة مش هتيجي مرة واحدة، دي هتتسحب حتة حتة لحد ما تسيبك مكسور.

جواد مش بطل خارق، ولا أسطورة بلا عيوب، لكنه الراجل اللي الناس بتحبه غصب عنها. ودي لوحدها مصيبة. إنك تتحب أكتر من اللازم، تبقى سكينة في قلب أقرب الناس ليك. وحائر بقى… آه يا حائر. الرواية دي كانت ممكن تبقى عن الحرب، بس أنا شايفها أكتر عنك. عن الأخ اللي طول عمره واقف في الضل، بيحسبها عدل وهو من جوّه مولع. الغيرة هنا مش صريحة، لا دي غيرة لابسة عباءة العقل والمنطق والمصلحة العامة. ودي أخطر حاجة.

والكاتب لعبها صح لما ما خلّيش الصراع أبيض وأسود. الملك مالك نفسه مش شيطان كرتون، ده واحد موجوع، خسارته لزوجته فتحت فيه باب انتقام ما عرفش يقفله. بس هل الوجع مبرر إنك تحرق الدنيا؟ الرواية سايبة السؤال معلق، ومش بتجاوب عنه بسهولة.

اللي وجعني بجد مش المعارك، ولا الدم، ولا الخيانات السياسية… اللي وجعني إن كل كارثة كانت ممكن ما تحصلش. قرار بسيط يتغير، كلمة تتقال في وقتها، أخ يسمع بدل ما يكره، بس لأ… العجلة دارت، ولما بتدور على دم ما بترحمش حد.

وعلى سيرة الرحمة، الصداقة هنا واخدة وش وظهر. راشد نموذج للصديق اللي يدفع تمن الوفا من دمه، في مقابل معين اللي بيبيع أقرب الناس له عشان يشفي غلّه. الكاتب بيقولك من غير ما يصرّح: مش كل اللي بيضحك في وشك صاحبك، ومش كل اللي دمك دمّه أخوك.

نهاية الرواية؟ قاسية… ويمكن قسوتها هي أكتر حاجة منطقية فيها. مفيش عدالة شعرية تراضي القارئ، مفيش حساب مفتوح للجميع، وده واقعي ومقرف في نفس الوقت. وفاتن؟ خلينا ساكتين أحسن، عشان السكوت هنا أبلغ من أي كلام.

الأبيون رواية عن إن القبائل بتموت لما تنسى ليه اتخلقت من الأساس. عن إن الغدر ساعات ييجي من أقرب مسافة ممكنة. وعن إن الكرامة لما تقع، ما بترجعش حتى لو كسبت كل المعارك.

رواية تخليك تخلصها وتفضل قاعد شوية ساكت… مش عشان النهاية، لأ، عشان تحاول تفتكر:

هو إحنا أقرب لكونا أبيون… ولا أقرب لحائر؟

#الأبيون

#ليث_طاهر

#حصاد_العام

#أبجد

#فنجان_قهوة_وكتاب

#مسابقة_حصاد_العام_مع_أبجد_وجروب_فنجان_قهوة_وكتاب