#قراءات
#عنوان_الرواية: سيمفونية الموتى
#المؤلف: عباس معروفي
#عدد_الصفحات: 386صفحة
عندما بدأت قراءة الرواية صراحة لم أتوقع أن أجدها بذلك الجمال وبتلك الروعة، لم أتوقع أبدا أن تكون بذلك الإتقان والصياغة الفنية، وهذاةما أسميه شخصيا الأبهة الأدبية في أجمل صورها، خاصة وأن الصفحات الأولى منها بدت مملة بعض الشيء وغير مفهومة، ولكن ما إن تعمقت فيها، وفهمت قفزات الكاتب وحركاته حتى انبهرت بما كان يقوله على لسان أبطاله، وما كان يقوم به من عزف على أوتار حياة كل شخصية من شخصيات الرواية، فهذه الرواية رغم بروز شخصية البطل وطغيانها على الأحداث إلا أنها ليست رواية البطل الأوحد من وجهة نظري، بل هي رواية كل شخصية فيها تعتبر نفسها الشخصية البطلة، لتنتقل عدوى هذا التفكير ليشمل القارئ الذي قد يفكر في أنه هو أيضا بطل من ابطالها، بعد أن يعطي لنفسه الحق في العزف منفردا خارج سيمفونية الموتى باعتباره المتفرج والناجي الوحيد منها. والشاهد على كل ما يحدث داخل المتن الروائي، خاصة وأن الرواية تعود بنا لقصة تخص كل واحد فينا، قصة هابيل وقابيل. قصة القاتل والمقتول. قصة الإنسانية جمعاء. (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين). هكذا أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن أبشع جريمة في تاريخ البشرية وها هو أورهان اورخاني ابن جابر أورخاني يعيد الشيء ذاته، ويتفنن في قتل الروح وبطريقة جد بشعة ومهينة له وللإنسان بشكل عام، يقتل أخيه دون أدنى احساس بتأنيب الضمير، وكان كل همه المال فقط، وميراث والده الذي كان يرى أنه من حقه فقط، ووحده من يستحق أن يكون الوارث لكل ثروة أورخاني.
يصور لنا غلاف الرواية المشهد الأخير منها، حيث عزف الكاتب بأرواح بشرية سيمفونية الموت فكان غلافها عبارة عن لوحة فنية أظهر فيها الكاتب العديد من الأجساد البشرية مصلوبة، وقد كانت هذه الأجساد المعلقة مكان النوتات الموسيقية، ليثبت للقارئ أنه جاد في فكرته، وأنه يعي جيدا ما يقول وما يفعل. وأن فكرة الرواية ليست مجرد فكرة عابرة بل هي مدروسة دراسة معمقة، وتحمل في طياتها العديد من الأفكار والمواضيع التي يريد إيصالها للقارئ. وشخصيا أعتبر رواية سيمفونية الموتى أنها جمعت الثلاثية الأدبية بجدارة واستحقاق، وذلك من خلال التكامل بين العنوان والغلاف ومحتوى الرواية، وهذا قلة من الكتاب من يجيده ويهتم له.
وتأخذنا الرواية بأسلوب أدبي عميق ومميز جدا، وبلغة أقل ما يقال عنها أنها جميلة ومنمقة إلى الغوص في محيط عائلة جابر أورخاني المكونة من الوالد والوالدة وأربعة أبناء: يوسف، أيدين وأيدا التوأمين وأورهان صغير العائلة ومدلل والده. أربعة إخوة ستكون حياتهم سيمفونية للموت، ولواقع جد مرير سيكون سببه جور الأب وإذعان الأم لكل ما يقوله وما يفعله دون أدنى اعتراض ولو بكلمة واحدة، وكان أكثر الأولاد الذين عانوا من هذا الوضع هوما التوأمين آيدين وآيدا الذين ستنتهي حياتهما بشكل مؤسف جدا.
كما أظهرت الرواية جوانب من حياة عائلة أورخاني خلال الحرب العالمية الأولى والسنوات التي تلتها، وهجوم الروس على إيران الذي كان أثره بالغا جدا على عائلة أورخاني ليجدوا أنفسهم يعيلون شخصا عاجزا، لم يعد يشبه الإنسان، وهو ابنهم يوسف الذي حاول تقليد المظليين الروس، فوقع من أعلى النافذة على الأرض، وانتهى به الأمر إلى أن يكون أسير غرفة من غرف المنزل. لتتم تصفيته بوحشية بالغة من قبل أخيه أورهان. وأما آيدين فقد كان يجد صعوبة كبيرة في التفاهم مع والده، وقد كان والده يريد أن يتحكم في كل شيء يخصه، مستقبله، مطالعته للكتب وكتابته للشعر، وكان يعتبر كل هذا مجرد عبث، وأن على ابنه أن يكون تاجرا مثله، وأن يستلم مع أخيه خان المكسرات. وقد قام بحرق كل كتبه وأشعاره ما اضطره لأن يغادر المنزل، ويتعرف على عائلة أرمينية ويعمل معهم في صناعة البراويز، ويقع في حب ابنتهم سورملينا، وتتتابع الأحداث ويسمع بخبر وفاة أخته آيدا التي أحرقت نفسها نتيجة صراعات وخلافات مع زوجها فيعود إلى منزلهم. ليموت الأب بعد ذلك بعام تقريبا وقبل أن يموت يصر على توزيع تركته بين أبنائه مما يشعل حقد أورهان" الذي كان يطمع في الاستئثار بكل شيء لوحده ويستبد بكل شيء. فتسوّل له نفسه التفكير في قتل آيدين أيضا بعد أن يكتشف أن لديه ابنة من سورملينا، وهي تبلغ خمسة عشر عاما. وكل هذا بعد أن يكون قد سقاه جرعة من السم قبل ذلك، فيفقد آيدين عقله وحتى اسمه أيضا ليسمى سوجي بعد ذلك.
وبالنسبة لي أعتبر المشهد الأخير غامضا جدا حيث التقى أورهان بأخيه آيدين في يوم مثلج جدا، بعد ان قضى عشرة أيام وهو يبحث عنه، ليتبادلا بعض الكلمات لتسفر هذه الكلمات عن موت أحدهما ليعتقد الكل أن آيدين من مات، ولكن حسب رأيي الشخصي فإن الميت هو أورهان. وفي آخر جملة يتحفنا عباس معروفي بهذه التوليفة الأدبية من المعاني قائلا:
"كان يرغب بالنوم ، فنام ، نام نوماً هادئاً ، و بقي الحبل يطغو قرب رأسه ، على سطح الماء ، رطباً و مُنتصباً ، كُلُّ من رآه يقول : شنق الرجل نفسه في الماء".
سيمفونية الموتى هي رواية تداخل أصوات الشخصيات مع الراوي نفسه حد الإرباك. لدرجة أن القارئ يتساءل من هو المتكلم يا ترى؟ وقد اعتمد في سرد الوقائع على البداية والنهاية والعودة إلى الماضي(فلاش باك)، و أبدع في ذلك أيما إبداع بحيث يشعر القارئ وكأن هناك دوامة تخيلية تدور في رأسه بسرعة جنونية تنقله من مشهد إلى آخر في غضون ثوان. فينتشي القارئ بهذا الأسلوب الساحر. ويندمج في عوالم الشخصيات بكل بساطة ويشاركها هواجسها وقفزاتها في الرواية. مانحا لنفسه الحق في التخيل وإخراج بعض الشخصيات وإبقاء أخرى في المتن الروائي كما يحلو له.
#Ranim_Zarif

