"يُمكن القول أن جلد الفراشة بأكمله عبارة عن هيكل عظمي خفي. (…) تُرى كيف يكون ذلك الشُعور؟ أقصد أن تحمل عظامك في الخارج؟ تخيل أن تكون قبرص فراشة ضخمة! حينها لن نضطرّ إلى حفر الأرض لإيجاد المفقودين. سنعرف أنها تغطينا." - جزيرة الأشجار المفقودة التركية إليف شافاك 🇹🇷
ممتعة هذه الرواية وموجعة، مثيرة وغنية برؤى إنسانية نبيلة، ولا يعني ذلك مطلقًا أنها تمثل أدبًا متفردًا أو إبداعًا لافتًا، فما زلت عند رأيي بخصوص تواضع موهبة شافاك، شأنها شأن عشرات الكتّاب الأكثر مبيعًا حول العالم. لا يمنع هذا الرأي الاستمتاع من وقت لآخر برواية كهذه (ترجمة أحمد حسن المعيني)، وهو ما فعلته أثناء رحلتي في إزمير.
على خلفية حب ممنوع بين رجل يوناني وامرأة تركية في قبرص قبيل الحرب وتقسيم الجزيرة، تصحبنا شافاك في رحلة في غياهب الضمير الإنساني، تطلعنا من خلالها على ما يمكن للتعصب والكراهية فِعله بحيوات أناس (وحيوانات وأشجار) بريئة لم ترغب ذات يوم سوى المحبة والطمأنينة. تتعاقب المحن ويلتقي العاشقان مجددًا، بل وتبدأ حياتهما من جديد في المهجر، غير مدركين أن الماضي لا يمكن تجاهله وكأنه مجرد ذكرى حزينة تسقط بالتقادم.
زجّت شافاك بكمّ ضخم من التفاصيل حول حياة الأشجار والفراشات وغيرها من الكائنات كي تتعدد أصوات السرد وتتشعب خيوط الحكاية يِما بدّد طاقة السرد في تقديري، رغم أن الخط الدرامي ظل واضحًا إلى النهاية، وصولًا إلى سؤال بالغ الأهمية: هل من الأفضل لمن وُلِدوا في المهجر أحيانًا الجهل بماضي آبائهم وأجدادهم كي ينسلخوا عن المأساة التي لا يمكن إصلاحها والتمتع بفرصة خالصة خالية من أي موروث قد يرسّخ للحقد والرغبة في الثأر من طائفة بعينها؟ أم أنّ الهوية لا تكتمل سوى باستحضار واستشعار ندوب تاريخنا دون حذف؟ من يحكي لنا هذا التاريخ؟ كيف نملأ فجوات الذاكرة ونرتق ما تمزق من نسيج الحكاية؟
#Camel_bookreviews

