اسم الرواية: #دائرة_الخطايا
تأليف: السيد الريس
تصنيف الرواية: جريمة / غموض / اجتماعي / فانتازيا
دار النشر: إبهار للنشر والتوزيع
تصميم الغلاف: محمد علي
عدد الصفحات: ١٦٢ صفحة
سنة الإصدار: ٢٠٢٥
التقييم: ⭐⭐⭐⭐
⭐ "كلنا فاسدون... كلنا فاسدون... لا أستثني أحدًا"
حينما انتهيت من قراءة رواية دائرة الخطايا للكاتب السيد الريس، استحضرت تلك المقولة الشهيرة لأحمد زكي في فيلم ضد الحكومة، فأبطال هذا العمل كلهم تقريبًا فاسدون وملوثون، وإن اختلفت أشكال ونسب الفساد بين كل شخصية والأخرى.
⭐ فكرة الرواية:
رغبة الإنسان في الثأر والانتقام ممن أذوه في الماضي، وكذلك أطماعه في تحقيق مثلث القوة والمال والسلطة، تجعلانه يسقط في دائرة من الخطايا الواحدة تلو الأخرى، ليظل أسيرًا لها، ولا يستطيع الفكاك منها مهما سنحت له من فرص للانعتاق والتطهّر.
⭐ الحبكة:
⭐ تدور أحداث الرواية حول رجل الأعمال الصيدلي مصطفى درويش، صاحب إحدى أكبر شركات الأدوية بالبلاد، والذي نشأ في كنف أسرة فقيرة معدمة في إحدى القرى المصرية، حيث كان يعمل أبوه السكير حلاقًا للحمير، بينما كانت أمه المكافحة تبذل الغالي والنفيس حتى يستكمل وحيدها تعليمه.
⭐ أثناء حضور مصطفى حفل تكريم بنادي الجزيرة تقديرًا لنجاحاته على المستوى المهني وإسهاماته في العمل الخيري والإنساني، يتم اختطاف ابنه يوسف من جواره بصورة مفاجئة، وهو الحدث الذي أماط اللثام عن كثير من المسكوت عنه في رجل الإحسان والبر مصطفى درويش: من سرقة، لتهريب، لقتل، لابتزاز، وغيرها من الجرائم حتى يصل إلى ما وصل إليه من بطش ونفوذ.
⭐ ولصغر حجم الرواية (١٦٢ صفحة)، يبدأ السرد في التصاعد من الصفحة الأولى وبدون مقدمات، حيث نتعرف على نشأة مصطفى درويش البائسة بقرية البروج، والتي كانت من أهم مشاهدها تعرضه للاحتجاز والجلد يومين من قبل عمدة القرية، بعد أن قام بالاعتداء على ابنه أثناء لعبهما الكرة سويًا.
⭐ وعلى الرغم من صغر سنه وقت حدوث هذه الواقعة، إلا أنها ولّدت لدى مصطفى رغبة جامحة في أن يصبح صاحب قوة ونفوذ وسلطة عندما يكبر، بأي طريقة كانت، ومهما كلفه ذلك من أرواح. وقد تحقق له ما أراد.
⭐ بدأ مصطفى يسقط في دائرة الخطايا مبكرًا بعد تركه لقريته وأبيه وأمه متجهًا إلى الإسكندرية لدراسة الصيدلة، حيث أقام بإحدى حارات الأنفوشي في غرفة مع زميل له. وبعد أن ضاقت به سبل العيش وشعر بخطر يتهدده من عدم استكمال تعليمه، لجأ إلى العمل في تجارة المواد المخدرة مع المعلم النمس الذي كان يقطن نفس الحارة. ولم يكتف مصطفى بذلك، بل أقام علاقة آثمة مع زوجة المعلم الخمسينية، والتي وقعت في شرك حبه وغرامه إلى الحد الذي جعلها تُفشي له بسر المكان الذي يُخبأ فيه زوجها البخيل كل ثروته، وأقنعته بأن عليه أن يقتله، لكي يخلو لهما الجو ويستمتعا سويًا بتلك الأموال.
⭐ ليستمر مصطفى في ارتكاب الخطية تلو الأخرى، فهو لم يستغرق وقتًا للاقتناع بكلام عشيقته، وعلى الفور بدأ في تنفيذ خطة الخلاص من المعلم النمس بأن أحضر إلى زوجته كمية كبيرة من المواد المنشطة لتضعها له في الطعام، ما أسفر عن وفاة المعلم بأزمة قلبية. ليهرع بعدها مصطفى وعشيقته إلى المخزن للحصول على الأموال، إلا أن الطمع والجشع تمكنا من مصطفى، فغدر بعشيقته بأن قام بخنقها وإشعال الكيروسين في المكان بعد أن أخذ الأجولة الخيش المملوءة بالمال.
⭐ ولكيلا يثير الشبهات، ترك مصطفى الإسكندرية برمتها وانتقل إلى كلية الصيدلة بالقاهرة لاستكمال سنته الجامعية الأخيرة هناك، وفيها تعرف على نوال - زوجته فيما بعد - ابنة أستاذه بالكلية حمدي المهدي، صاحب إحدى أعرق شركات الأدوية، والتي كانت آنذاك تعاني من أزمات مالية خانقة. وبالفعل عقد مصطفى مع دكتور حمدي المهدي صفقة كان من أهم بنودها أن يوافق على زواجه من نوال، مقابل أن يضخ مصطفى استثمارات كبيرة في شركة حماه لإنقاذها من شبح الإفلاس. وقد تحقق له ذلك.
⭐ استمرت إمبراطورية مصطفى درويش في التوسع والانتشار بكل الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة، إذ لم يكن يعبأ بأن يدهس تحت قدميه أي إنسان يحول بينه وبين تحقيق تطلعاته ورغباته الجامحة.
⭐ لكن مصطفى لم يكن يدري أن جميع من يحيطون به ينبشون وراءه لمعرفة ماضيه، ومن أين حصل على هذه الأموال للقضاء عليه وإسقاط إمبراطوريته. وقد بدأت أولى خطواتهم باختطاف ابنه وطلب فدية بملايين الدولارات حتى يعود إليه.
⭐ ولأن الكل فاسدون، فقد وُجهت أصابع الاتهام إلى جميع الأشخاص في الدائرة المحيطة بمصطفى، بدءًا من محاميه وصديقه سعيد هاشم، مرورًا بحماه، وانتهاءً بمديرة مكتبه، وغيرهم.
⭐ وعلى الرغم من أن القدر منح مصطفى فرصة ذهبية لا تأتي لكثيرين للتطهّر والخروج من دائرة خطاياه بفضل المذنب هالي، الذي أحدث أثناء مروره بكوكب الأرض خللًا استثنائيًا في أنظمة الاتصالات مكن مصطفى من الاتصال بنظيره في الماضي وتوجيهه للمسار الذي يستطيع من خلاله استعادة ابنه المخطوف يوسف - وهو ما حدث بالفعل - إلا أن مصطفى أصر على البقاء داخل دائرة خطاياه وأن تكون نهايته بداخلها.
⭐ النهاية:
جاءت النهاية خادعة إلى حد بعيد، وإن كنت قد توقعت أول خيوطها مع بداية الثلث الثاني من الرواية، إلا أن المميز هنا أنها نهاية شديدة الواقعية. فنحن لا نعيش في اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، ومن ثم فإن كل شخص من هؤلاء الفاسدين يتحيّن اللحظة المناسبة للانقضاض على خصمه للنيل منه وتركه جثة هامدة.
⭐ الشخصيات:
كان من الممكن أن تكون الشخصيات أكثر عمقًا وثراءً مما كانت عليه، لكن ما يُحسب للكاتب أنه نجح في بلورة مبررات أفعال كل شخصية بشكل واضح وجلي.
أعجبني كذلك أن الشخصيات الفرعية مرسومة بشكل جيد وواقعي، وكان لها أدوار محورية في أحداث الرواية، لا سيما نهايتها.
⭐ اللغة:
جاء السرد والحوار باللغة الفصحى، وإن كانت لغة عادية للغاية لا يوجد بها ما يميزها. وكان هناك إصرار على استخدام كلمة "الغير" طوال صفحات الرواية، علمًا بأن "غير" لا تُعرَّف، وهذا من صميم عملي كمترجم صحفي ومدقق لغوي.
كذلك، كنت أرى أن هناك مشاهد من الرواية كانت ستكون أفضل لو جرى استخدام العامية فيها، لا سيما مشهد حوار مصطفى وعشيقته في الحارة، فسياق الحوار ومكانه وطبيعته يبدو أكثر انسجامًا مع العامية من الفصحى.
⭐ رأيي الشخصي:
ختامًا، أرشح الرواية لهواة الغموض والتشويق والإثارة والفانتازيا، والقراءة في أدب الجريمة، لا سيما أن الكاتب نجح ببرعة واقتدار يُحسد عليهما في صياغة حبكة محكمة، ألهى من خلالها القارئ عن توقع مرتكب جريمة اختطاف الطفل يوسف.

