شارع بن يهودا > مراجعات رواية شارع بن يهودا > مراجعة Hesham Wahdan

شارع بن يهودا - أيمن السميري
تحميل الكتاب

شارع بن يهودا

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

* قراءات سابقة للكاتب *

لا يوجد. هي روايته الوحيدة حتى الان على كل حال.

-------------------------

* نظرة على الغلاف *

تتصدر المشهد سيارة عتيقة الطراز - اعتقد انها البلايموث التي ظهرت في الرواية التي كان يمتلكها حسن راغب الأب - والتي كانت شاهدة على طفولة ( علي ). يظهر بجوارها رجل وامرأة بدون ملامح واضحة وفي ظني قد يكونا الأب والأم ( غالية ).

في الخلفية شارع وبنايات ربما اشارة لعنوان الرواية وربما لشوارع المنصورة حيث نشأ وترعرع ( علي غالب ). أيضاً هناك خطوط باهتة لعناوين اخبارية قديمة باللغة العربية وبعض الحروف العبرية.

اجمالاً اعتبره غلاف يحمل من الرمزية اكثر مما يحمله من لوحة فنية ذات جماليات محدودة.

-------------------------

* المميزات / نقاط القوة *

- السرد مرتبط بالحدث وليس بزمن وقوعه.

- محاكمة ادبية مُلهمة لتاريخ مصر الحديث.

- كافة اطياف المجتمع المصري مُمثلة بشكل يضمن التعددية.

- نهاية تؤكد انتصار الواقع المرير.

-----

* الملاحظات *

- غلب على لغة الرواية الصبغة التحليلية لكافة عناصر الحقبة الزمنية التي تمثلها.

-------------------------

* فلسفة / رسالة الرواية *

رؤية مختلفة ومنظور اكثر جرأة لتاريخ مُلبد بسحائب سياسية داكنة وغيوم فكرية ومجتمعية وضباب ديني ، جميعها أصاب الشخصية المصرية بعَوار وعَطب داخلي يبدو انه غير قابل للشفاء او على الأقل سيترك ندبة مزمنة ستظل تتحسسها بين الحين والاخر.

-------------------------

مراجعة الرواية:

يعجبني دائماً الرواية التي تشتبك مع التاريخ والحاضر ، تطرح العديد من التساؤلات وتحث القارىء على اعادة التفكير والشك فيما يختزنه من خبرات ومعارف يظن انها من البديهيات والمُسَلمات.

قدم السميري ما يمكن ان أطلق عليه محاكمة أدبية لتاريخ مصر على مدار اكثر من ٧٠ عاماً ، من وجهة نظر شعبية تتسم بقدر كبير من الحياد والموضوعية والأهم بإعمال العقل وتقديم منظور مختلف للتاريخ كمحاولة للتعايش مع الحاضر واستقراء المستقبل ، بشكل يساعدنا في فهم ما ينتظر مجتمع غرق - او تم اغراقه - في اوهام سياسية ودينية كان لها من الأثر البالغ ما تسبب في تشويه الشخصية المصرية على مدار عقود طويلة.

كيف نجح الكاتب في ذلك ؟. تعالوا نتناول الرواية بشيء من التفاصيل من خلال عناصرها الأساسية.

* الفكرة / الحبكة *

تاريخ الأمم حمال أوجه ولا يصح النظر اليه بمنظور احادي. ما بالك لو كانت هذه النظرة مُشبعة بالكثير من الضباب الفكري والديني لاسباغ نوعاً من القُدسية على هذا التاريخ ومحطاته البارزة.

( علي حسن غالب ) يقرر الاشتباك مع التاريخ ويرفض التسليم على طريقة هذا ما وجدنا عليه اباؤنا واجدادنا ويقدم لنا زاوية مغايرة وشهادة معاصرة لما جرت عليه الامور من خلال معايشته لها على ارض الواقع.

سعى باجتهاد كبير الى تقديم الحقيقة العارية - التي على الأغلب هي مرفوضة شكلاً وموضوعاً - دون ان يلقي بالاً لمعتقدات وموروثات تصل حد التقديس والانغلاق الفكري الاعمى تربت عليا اجيالاً انسحقت تحت وطأة الظلم والفساد تارة باسم الوطنية وتارة باسم الدين والمذهب.

المشكلة ان الكل اعرج لكن قليل من يستطيع تمييز العرج الحقيقي لعلة في الجسد عن العرج الحقيقي في العقل والفكر.

* السرد / البناء الدرامي *

أهم عنصر ساعد هذه الرواية على النجاح هو طبيعة السرد المميزة من خلال الراوي المتكلم وتكنيكه المعتمد والمرتبط بالحدث وليس بالزمن بشكل واضح.

من خلال ثلاثة محاور رئيسية دارت أحداث الرواية بين المنصورة ، تل أبيب وختاماً بنيويورك. زمنياً فهي تدور بين حقبة الخمسينيات من القرن الماضي حتى نهاية يناير ٢٠١١.

لك ان تتخيل القدر الهائل من المتغيرات التي عصفت بالمجتمع المصري على مدار تلك الحقبة بدون شك. على قدر صعوبة الإلمام بكافة تفاصيل التاريخ بين دفتي كتاب واحد ، بقدر ما كانت السهولة في رصدها بشكل مجتمعي وشعبي شمل الريف المصري والمدنية الحديثة لاحقاً.

لهذا اعتمد السميري على طبيعة الحدث نفسه كأساس لسرد التاريخ ولم يلجأ الى طريقة سردية كلاسيكية كان من الممكن ان تصيب القارىء بالملل نوعاً ما لأن اغلبنا يعرف تلك المتغيرات وعايشها حياتياً او توارثها من اجداه لاحقاً.

قد يبدو ذلك التكنيك محفوف بالمخاطر وهذا صحيح. المخاطرة تتمثل في فقدان القارىء للخط الدرامي للأحداث اذا وجد نفسه في متاهة تاريخية لا رأس لها ولا ذيل. على العكس تماماً في ( شارع بن يهودا ) جاء البناء الدرامي كمُتحف تاريخي كبير تم بناؤه من احداث شكلت لحظات فارقة في تاريخ هذه الأمة شملت السياسية ، الاقتصادية ، المجتمعية والدينية على مدار ثلاثة حقب زمنية ؛ الناصرية واشتراكيتها ، الساداتية وانفتاحها ، وأخيراً المباركية وثورتها.

من الامور البارزة هي الرمزية التي استخدمها الكاتب لتمييز كل حقبة بما يتناسب مع طبيعتها آنذاك. الاكثر وضوحاً هو تعرية التاريخ حتى من ورق التوت الذي يداري به سوءاته وقبحه ، وتقديمه للقارىء بشكل مجرد يدفعه للتمهل والتدبر فيما جرى واعادة النظر في معتقدات ومفاهيم متوارثة اصبحت بالية ومهترئة من كثرة ما شابها من كذب وتضليل ، ورغم ذلك ما زال يتمسك بها الكثيرين للأسف الشديد. الانسان دائماً ما يرفض ويستنكر الحقيقة وفي المقابل يلتهم الاكاذيب - المُغلفة بطبقة خارجية من الوطنية والدينية معسولة المذاق - التهاماً.

شخصياً ارفع القبعة للكاتب على الكيفية التي رصد بها التاريخ بدون رتوش وعمليات تجميل تزيد من قبحه اكثر واكثر.

* الشخصيات *

صهرت الرواية بداخلها كافة مكونات المجتمع المصري الفكرية والعرقية والدينية على تعددها واختلافتها. هذا شيء يحسب للكاتب بكل تأكيد. نحتاج الى تباين الرؤى ووجهات النظر في مثل هذا النوع من النصوص الأدبية.

ستجد الناصريين ( حسن غالب / الأب ) المؤمنين حد العبادة بالزعيم الخالد واشتراكيته الواهية ، الرأسمالية ( فريد جميعي - رجل الاعمال ) في أقبح صورها بداية من عصر الانفتاح في حقبة السادات والتي تحولت الى الفساد المقنن الذي تم تبريكه بجماعات الاسلام السياسي ( وجدي كراوية - عضو الجماعة ) في حقبة مبارك. هناك ايضاً عنصر هام وهو الشخصيات اليهودية التي قابلها في تل ابيب ولاحقاً في نيويورك بعد هجرته من مصر.

( علي غالب ) يمثل تيار الحريات بشكل عام. هو شاهد على العصر اذا قدمنا وصفاً يليق به. نشأ في كنف الناصرية وارفع رأسك يا اخي ، ترعرع في سنوات العلم والإيمان الساداتية ونضج في عصور طهارة اليد المزعومة في حقبة مبارك. شخصية ثرية جداً تجمعت بداخلها خبرات حياتية ذات ثِقل كبير.

حياة ( علي ) بدون شك ستجدها تتلامس في كثير من الاحيان معك شخصياً. انا مررت بمثل هذه المواقف في فترة ما من حياتي. هذا سيكون حال لسانك على الأغلب مما يضيف الكثير من الزخم والجاذبية على عملية القراءة.

اهم ما يميز هذا العنصر والمكون الأساسي للروايات الاجتماعية والاجيال هو البناء المحكم للخلفيات السياسية والدينية والعرقية بدون استثناء. هذا يتضح جلياً اثناء ادارة الحوارات والسجال الدائم بينهم.

الشخصيات ممتعة وثرية جداً.

* اللغة / الحوار *

لا تحفظات كبيرة بخصوص اللغة في الرواية. ملاحظتي الوحيدة هي انها جاءت بشكل تحليلي في معظم الاحيان ، سواء عند الوصف او الحوار بين الشخصيات. اتفهم هذا بالطبع نظراً لطبيعة النص الادبي والذي كما ذكرت اعلاه انه اشبه بمحاكمة ادبية للتاريخ.

لغة الحوار كانت بالعامية التي تعددت وتنوعت لهجاتها حسب المتحدث. كانت ملائمة جداً لطبيعة الشخصيات وربما شكلت نوعاً من التلطيف على الصبغة التحليلية للغة السرد.

أيضاً تحدثت الشخصيات بلسانها ومكنونها وما تحمله من افكار ومعتقدات. تجلت براعة وجمال الحوار في الفصلين الأخيرين حيث تنقلت الاحداث بين تل أبيب مروراً بالمنصورة ونهاية بالقاهرة ونيويورك ، وكان بمثابة مبارة ثقافية يحاول كل طرف فيها تسجيل هدف تاريخي يدعم ويعضدد بها مزاعمه وايدلوچياته.

* النهاية *

يمكننا توصيف مصير ( علي غالب ) مجازاً بانه مثل الذي تفرق دمه بين القبائل. عاش في وطن اجبره على العرج ، وخرج منه لأراضي واسعة احتضنته بشكل ما لكنها في المقابل امتصت ما تبقى من عصارته الحياتية بما يخدم مصالحها فقط. ( علي غالب ) هو نحن المُحملين بإرث وتركة تاريخية ومجتمعية ثقيلة جداً شكلت حاجزاً كبيراً وغصة مريرة في حلوقنا لا نحن قادرين على بلعها ولا نملك ان نبصقها خارجناً. هي جزء لا يتجزأ من وعينا وادراكنا بدون شك.

على جانب اخر فالروايات من هذا النوع لا تحمل ختاماً درامياً او التوائات نصية بالمعنى التقليدي. هي تطرح ما استخلصه الكاتب من دروس التاريخ والحاضر وتقدمه للقارىء كاستشارة ادبية تدفعه لمحاولة تمحيصها وفحصها وتقليبها على كل الجوانب ثم عقد مقارنة داخلية مع ما يكتنزه من خبرات حياتية ، ليخرج منها برؤية مختلفة او حتى قد يرفضها بالكلية. المهم انها تلقي بأحجار وسط بركته المعرفية الراكدة والتي اصابها العطن الثقافي والسياسي والديني على مدار عقود طويلة.

-------------------------

ختام:

رواية ثقيلة الوطء تحتاج لمن يقرأها بهدوء وحيادية بعيداً عن اي انتماءات او معتقدات. باختصار تحتاج الى الانسان في المقام الأول.

* اقتباسات *

❞ أنا علي حسن غالب، حفيدك الأعرج الذي لا يعرف إن كان بالفعل أعرج أم أن أرض الوطن لا تصلح للمشي. ❝

❞ الحياة أقسى من سطور الكتب، حتى لو كانت السطور تشريح للحياة نفسها. ❝

❞ الميراث الذي جعل تمكين الفاشلين وعديمي الموهبة بشكل منهجي دستورًا بحدِّ ذاته، ميراث وأد أجيالًا كاملة من الحالمين لصالح توريث الوظائف، وتعيين أبناء نفس المصلحة أو الشركة واستبعاد سواهم من أصحاب الموهبة. ❝

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق