عدسة تكشف تفكك الأسرة المصرية... وقصص تستحق أن تُعرض على الشاشة الكبرى..!
المقدمة - الكاميرا على نواة المجتمع-..
المجموعة القصصية أشبه بعدسة كاميرا حادة (Wide-Angle Lens) تُسلَّط على نواة المجتمع المصري.
الكاتبة، بأسلوبها الجريء والحساس، تدق ناقوس الخطر حول مفهوم الأبوة في زمن التفكك الاجتماعي، مقدمةً خريطة متناقضة للعلاقة بين الآباء والأبناء: بين برّ لا يقدر بثمن، وعقوق ثمنه انهيار أسرة كاملة.
المحور الأول: الأبوة... بين الحضور والغياب..
تتجلى قوة المجموعة في قدرتها على التقاط مشاعر متضاربة في قصص قصيرة مكثفة:
الغياب القاسي:
تضعنا الكاتبة أمام "عجوز منتصف الليل" الذي يفتك به النسيان أو الجحود.
ثم تتابع بـ "عزومة رمضان" لتصور الفجوة المؤلمة بين ابنة تتوق لحنان أب تذكرها عرضًا. هنا، الأبوة هي مسؤولية تم التملص منها عمداً، لتصبح المرأة (الأم) هي الحاملة الوحيدة للحمل،
كما نرى في قصة "رهان في الصيدلية" التي تبرز الفارق الشاسع بين الذكور والأمهات.!!
الحضور البطولي: توازن الكاتبة المشهد بقصص البر والتضحية العظيمة. "بابا جدو" يمثل نموذج الأب الذي تتسع "جناحاته" لتشمل الأحفاد بعد الأبناء،
وقصة "خديجة ونيلي" ترسم مشهدًا سينمائيًا خالصًا لتضحية أب يلقي بنفسه مع ابنته في الخطر ليمنحها الأمان...
في المجموعة، اختارت الكاتبة إضاءة جانب من حياة أربع شخصيات عامة مشهورة دون ذكر أسمائها صراحة، معتمدة على ذكاء القارئ.
أبرز هذه القصص هي "كان نفسي أعرفك"، والتي تتناول قصة الإعلامي الشهير محمود سعد...
لقد تعاطفت بشدة مع هذه الشخصية التي يمثلها الإعلامي، فهو نموذج لجيل كامل من الأبناء الذين حملوا على كاهلهم غُصّة الخذلان الأبوي.
شخصية "محمود سعد" في القصة تمثل صراعاً حقيقياً: كيف يعيش المرء حياته بنجاح باهر وفي داخله طفل لم يتجاوز بعد سؤال "لماذا لم يراني أبي يوماً؟". الجميل في تناول الكاتبة هو إبراز كيف حاول تعويض هذا النقص لاحقاً في حياته الأسرية والمهنية، وكيف كان الوفاء لوالدته هو وقود نجاحه. لكن الشقاق يظل غائباً، معبراً عنه بالحوارات التخيلية الغنية بالإشارات لأغاني أم كلثوم، مما يضفي عمقاً وشجناً لا يُمحى.
"عجوز منتصف الليل" (الشخصية العامة المجهولة):
هذه القصة كانت الأكثر إثارة للشجن. أتذكر تماماً عندما نُشرت قصتها في بوست سابق (بدايات 2016)، وقد تأثرت شخصيًا إلى درجة أنني كنت أرى أي عجوز في الطريق، وأبني في مخيلتي مئات الاحتمالات والسيناريوهات لوجوده في البرد القارس.
لقد تعاطفتُ مع المصير، وشعرتُ بالغضب تجاه الأبناء الغائبين (سواء كان العقوق مادياً أو معنوياً). القصة تنجح في تحويل سؤال الأبوة إلى مسؤولية أخلاقية عامة وليست خاصة فقط
.
.
.
وفي ظل اقتراب مهرجان القاهرة السينمائي، لا يمكن قراءة "أنا ذاكرة أبي" إلا بمنظور سينمائي. القصص هنا ليست مجرد سرد، بل "مشاهد قابلة للتصوير":
"ثورة الصغار": تصلح لفيلم قصير رمزي قوي (Short Film) يعرض براءة الأطفال المطالبين بحقهم في الأبوة في "جنينة الآباء".
"رسائل ربما تصل": يمكن تحويل هذه الرسائل لفيلم وثائقي درامي (Docu-Drama)، حيث يُصوَّر معاناة أبناء الشهداء والسجناء وأبناء الآباء الهاربين من المسؤولية، ليصبح العمل مرآة لوجع الوطن.
لقد نجحت الكاتبة - من وجهة نظري - في كتابة سيناريو أدبي مكثف، يدفع المخرجين لتجسيد هذه الشخصيات المركبة على الشاشة.
وفي النهاية أود أن أقول أن الأبوة ليست لقبًا في البطاقة، بل ذاكرة تُبنى في عقل ووجدان الأبناء. "أنا ذاكرة أبي" هي دعوة للمساءلة الاجتماعية والفردية. هي مجموعة قصصية يجب أن تُقرأ وتُناقش على نطاق واسع؛ ليس لتجريم أحد، بل لإعادة بناء ما انهار، ولنعيش جميعًا جو البرّ والمسؤولية الذي يستحقه أي مجتمع يطمح للكمال.
#يللا_سينما
#أنا_ذاكرة_أبي
#عبير_إلهامي
#مسابقات_فنجان_قهوة_وكتاب

