المجموعة القصصية : أنا ذاكرة أبي
الكاتبة : عبير إلهامي محمد
دار النشر : ريشة
التقييم : ٥/٥
منذ فترة لم أقرأ مجموعة قصصية بهذه البساطة و التلقائية مع عميق شديد لمن أدرك المعنى مع ترك أثر شديد على النفس و ملامسة القلب حتى أدمعت عيني
ربما لأن المجموعة القصصية مستوحاة من الواقع فجاءت اللغة مناسبة لبيئتها، فلا تكاد تنتهي من إحدى القصص حتى تتذكر أنها تشبه قصة عيشتها أو عاصرتها و هذا هو سبب صدق الكتابة عندما تنقل الواقع بأدق تفاصيله و آلامه و فرحه
نسمع دائمًا عن عقوق الأبناء لآباءهم لكن مصطلح عقوق الوالدين لأبناءهم رغم أنه موجود و منتشر تجده غير شائع فكل الأبناء الذين يتعرضون له يكتمون الظلم الواقع عليهم و هناك البعض من شدة الظلم تجده يبوح به و يصل الأمر إلى ساحة المحاكم
الإناث هن أكثر الفئات الذين يتعرضن لظلم الأباء تحت الابتزاز العاطفي و السلطة الأبوية و دائمًا هي الطرف الذي عليه أن يضحي كثير ما تجد آباء يدعون حب بناتهم لكن لحظة توزيع مال أو عقارات تصبح محرم عليها كونها بنت و نفس الأمر عند توزيع الميراث تحرم فورًا من حقها و هناك أباء أشد قسوة من يعتبر أحفاده من بناته ليسوا من صلبه و يفرق في المعاملة يدعون التدين و الدين منهم براء
" عندما يفقد الأب ذاكرته لن يجد سوى إبنته التى تحمل ذاكرته و نسخة منه أليس ذلك بكافٍ أن يحتضن الأب إبنته ؟ "
بعد ان انتهيت من قراءة العمل و تعايشت مع كل قصة شعرت بالخوف أن أكون عاق لأبنائي ففي كل مرة أجد نفسي أقيس حبي لأولادي بمقدار ما ألبي طلباتهم و لكني وجدت أنني بخيل في المشاعر و الاحتواء و الاستماع لهم دون تأنيب و عقاب كما تفعل الأم دائمًا و سألت نفسي عن أخر مرة أحتضنتهم فيه فلم أتذكر ...
في القصة الأولى " عجوز منتصف اليوم " تأخذنا معها الكاتبة لنرى قسوة غياب الإنسان عن بيته حيث أمانه لدرجة ان يحوله الغياب إلى متشرد رغم أن هيئته لا تبدو كذلك فنتعاطف معه ربما أصابه مرض الزهايمر و تختم الكاتبة القصة بمشهد في منتهى العمق رغم عدد كلامتها القليلة :
❞ لو كانت ثورتنا ناجحة، لقُلت إنه أحد رموز النظام السابق الذين استردت منهم الثورة أموالها.. أو لو كان الرصيف مواجهًا لسجنٍ ما، لقُلت إنه أبُ أحدِ المعتقلين وهان عليه فراشه الدافئ ليطمئن على ابنه قبل ترحيله صباحًا.. لكنَّ الرصيف كان بلا عُنوان كصاحبه إلَّا مِن هُويَّةٍ عجيبةٍ تفرض نفسها بعد كل تحليلاتي.. إنه عجوز منتصف الليل! ❝
قصة : " رهان في الصيدلية " تبدو في ظاهرها قصة كوميدية حيث كتبت بشكل ساخر لكنها تعبر عن معاناة كبيرة في مجتمعنا الذكوري حيث كثير من الرجال ليسوا إلا ذكور يحملون الزوجة المسؤولية و تفرغون هم لملذاتهم و يتنصلون من هموم تربية الأبناء
قصة " خديجة و نيللي " و قسوة غياب الأب أو هروبه من واجبه تجاه إبنته ثم تجد نيللي الأب البديل الذي يعطف عليها مجرد أن سمح له ان تناديه ب " بابا "
قصة " ثورة الصغار " من أشد القصص تأثيرًا، كُتبت بمهارة، رغم أنها قصة قصيرة لكنها تركت حزن كبير ربما لأنها رسمت بمشهدية سينمائية تعبر عن معاناة الأطفال الذين يفتقدون أباءهم ربما يفضلون الجلوس على القهاوي عن جلوسهم مع أولادهم للأسف هناك أباء ربما لا تعرف في أي سنة دراسية إبنه أو أي مدرسة هناك بيوت رغم وجود الأب لكن هناك حاجز كله قسوة، متى يفيق الأب و يحطم هذا الحاجز، ذكرتنا القصة بأيام الكورونا و أجبر الجميع على الجلوس سويًا و كم من حاجز يومها تم تحطيمه و هناك أسر تعرفت على أفرادها مرة أخرى
نفس هذا المشهد رأيناه في مسلسل " عائلة الأستاذ شلش " عندما أصيب رب الأسرة و اضطر المكوث في البيت فترة طويلة اكتشف خلال تلك المدة أنه لا يعرف الكثير عن أسرته
ماذا لو تم تحويل هذه القصة إلى فيلم قصير يعرض في محاكم الاسرة في أماكن الاستراحة التى يضيع فيها ساعات انتظارًا للجلسة أعتقد كثير من القضايا ستنتهي قبل ان تبدأ ربما يعود الاب والام معًا و في أيديهم أطفالهم
قصة " هكذا علمني أبي " من القصص الجميلة و كيف يكون الأب هو الحبيب لإبنته الذي يتقبل بنته كما هي يصبح السند و الداعم لها يزرع فيها ثقة يجعلها تطير في السماء كأنه اهداها بحبه جناحين
تعرضت الكاتبة بشكل واضح عن أربع شخصيات من المشاهير الذي مارسوا العقوق تجاه أبناءهم و من القصص التى كانت تؤرقني هو استغلال هذا اليوتيوبر الشهير إبنته الصغيرة في جذب المشاهدين كأنها سلعة و هاجمه الناس على صفحات السوشيال ميديا حتى تم التحقيق معه هو و زوجته
للأسف لم تكن العقوبات كافية لردعهم حتى انتشر استغلال الذكور لزوجاتهم الجميلة و إبراز مفاتنهن اكسب كثير من المشاهدين من أجل المال، المجتمع أصبح لا يطاق
ختمت الكاتبة المجموعة القصصية بثلاث رسائل من أطفال لأباءهم منهم من ضحي بحياته من أجل وطنه ليفتخر به إبنه و وعد يسير على دربه و في المقابل رسالة من طفل يعاتب والده لماذا أصبح إرهابي يجعله يحمل العار من بعده
و رسالة لأحد المعتقلين و اشتياق إبنه له و يشاء القدر بعد تلك الرسالة يفك كربه و يقابل الأب إبنه بالأحضان
هذا العمل يجب أن يكون مراجعة و حساب لكل إنسان لنفسه يحدد هل هو بار بإسرته و عائلته و وطنه أم عاق ؟ هي دعوة للحب أيضًا و التسامح و السلام
استحق العمل العلامة الكاملة لكونه عمل يلامس واقعنا المر و يقدم رسالة مهمة نحن في أشد الاحتياج لها بعد ما زادت حالات تفكك الأسرة و إبراز عقوق الآباء و نفس الوقت تقدم نموذج من البر فشكرًا للكاتبة و لدار النشر المتميزة لدعمها هذه الأعمال
#ريفيو_على_أدى
#يلا_سينما
#مسابقات_فنجان_قهوة_وكتاب
#ماجد_شعير

