وكأنها كانت ثورة ، وكأن شعب مصر قد ثار ، وتمرد على النظام القائم منذ ثلاثين سنة ، وحطم القيود التي كانت تكبله ، وتقيده ، وتمرد على الظلم والهوان ، وفك القيود للأبد ، رواية جمهورية كأن ، شيقة ، ممتعة ، فصياغتها جميلة ، وشخصيات الرواية واضحة الملامح ، وأضحى الأهداف ، تسير الشخصيات بخطوط متوازية تتصادم ولا تتلاقى ، ينقطع بعضها ، ويسير بعضها وكأنه للأبد ، بشكل متصل ودائم ، وترتسم الصورة التي نجدها في الواقع ، نشك أنه كانت هناك ثورة ، فكل شيء عاد إلى نقطة الصفر ، أو تحت الصفر .
محور الرواية الرئيسي ، هو الثورة ، لكن المحور المكتوب بين السطور في الرواية ، هو القبضة الأمنية الحديدية التي تسيطر على مصر ، وتتحكم في مفاصل الدولة ، ربما تختفي تلك القبضة قليلا ، لكنها لا تتلاشى بل تعمل في الخفاء ، لتعاود الظهور من جديد ، بشكل أقوى ، وأعنف ، وأشرس .
شخصيات الرواية تمثل القطاعات المهمة التي وُجدت وقت الثورة ، الأمن ، ولم يحدد الكاتب أهو الجيش أم الشرطة ، فنجد أنه يتحدث عن الاعترافات لتفكر في الداخلية ، ثم يتحدث عن خطة لإجهاض الثورة والسيطرة عليها ، فتعود لتفكر في الجيش ، ثم يتحدث عن الإعلام ، وقد أبدع في هذا الجانب ، رغم أنه كان يجب أن يتناول الإعلام في أكثر من شخصية ، ثم التائهون في الأرض ، اليساريين والشيوعيين ، الذين ثاروا في القديم ، ثم استسلموا للواقع الجديد ، وركبوا جواد السلطة والمال ، وفي النهاية ، الثوار الجدد ، الشباب ، وما قدموا من تضحيات .
تنتقل الرواية من مرحلة النصر للثوار ، والشعور بالفخر ، ثم الإحباط ، والهرب من الواقع بمغادرة مصر ، أو الاستسلام للواقع وتقبل السجن ، أو التصفية ، وهذا هو ما خلصت له الثورة المصرية المجيدة التي حدثت في 2011 ، فقد تعمد الجهاز الأمني في مصر ، أن يكرس الشعور القوي بالإحباط لدى الشباب بالذات لكي لا يفكروا مجدداً في الثورة .
يوجد نقطة أثارت حفيظتي ، فكلنا نقر أن من ثار هم الشباب الذين لم تلوثهم السياسة ، ولم يتحزبوا ، لكن لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يلغي الكاتب الإسلام في المجتمع المصري ، أو أن يلبسه فقط ثوب الخيانة والمؤامرة ، ولو كان يريد أن يبعد النظرة الدينية عن المشهد ، لما جسد لنا شخصية المسيحي المنخرط في الثورة ، كما أنه جسد المسيحين بواقعهم السلبي والإيجابي ، لكنه كرس صورة المسلم في ثوب الخيانة .
لا يهم كل هذا فالرواية تشكل عمل أدبي يستحق التقدير ، عمل ممتع في مضمونه ـ أحيا في نفسي الكثير من المشاهد التي رأيتها في تلك الفترة ، المشاهد التي صرخنا فيها مع الشعب المصري ، والتي صرخنا فيها من أجل الشعب المصري ، وعشنا معهم مرحلة الإحباط المريرة التي لا تريد أن تنتهي حتى الآن .

