هي عُمان بكل ما تحويه من عجائب وأساطير وغرائب مثلها الإنسان العماني الذي لا يختلف كثيراً عن شعوب المنطقة ورغم خصوصية عمان بواقعها الجغرافي إلا أنها تبقى مكوناً أساسياً في شبه الجزيرة العربية، ربما تختلف الأساطير من مكان لآخر وتتلون بألوان مختلفة.
في عمان ارتبطت الأسطورة بمعتقدات أكثر تعقيداً، بينما في الجوار كانت الأساطير تنمو حول الأشخاص ورجال الدين نمت في عمان في قوى ما وراء الطبيعة فتزخرفت وتطورت حتى رسخت في عقول الناس على أنها حقائق، وهذه المسألة حاول السيد زهران أن ينقضها في الرواية بأسلوب جميل حيث يضع الأسطورة أو المعتقد في حدث وينقضه بحدث حقيقي، ورغم ما فعل إلى أن صورة المجتمع في الواقع انعكست على الرواية فالبشر يعودون إلى الأسطورة رغم أنهم عرفوا أنها وهم.
الرواية باختصار هي قرية في عمان تحوي كل الأساطير والتاريخ، فيها القوي والضعيف، الغني والفقير، المنبوذ والمرعب، تبدأ بحالة موت امرأة تنبت منها حياة طفل يكون أسطورة بحد ذاته، وقد وظف السيد القاسمي بأسلوب جميل الأحداث لتحقق أسطورة القافر “سالم بن عبدالله” فتتحرك الأحداث بمرونة ويتحول سالم من شخص منبوذ لشخص مميز يملك قدرة لا يملكها الجميع لكن قدرته لا تتصل بعالم الأرواح والأشباح بل تتصل برهافة سمعه فأذنه التي كان يضعها على الأرض ويظن المحيطون به أنه يسمع أصوات ساكنيها كانت تسمع صوت المياه صوت الحياة، فالماء هو الحياة وهو الأيقونة المستمرة في الرواية من بدايتها لنهايتها ارتبط بالموت واتفق مع الحياة لتستمر في المسير.
توجد في الرواية الكثير من الأحداث والأساطير المحلية ويوجد بها أيضاً نظام القوى التي تحكم وتتحكم فيمن حولها وفي داخل الرواية أحاديث المجتمع ما يخافه الناس ويخشونه ومن يتجرؤون ويعتدون عليه دون رحمة، فللمجتمع في تصور الكاتب سلطة على الضعفاء لا يستخدمها أبداً ضد الأقوياء والأغنياء، الضعيف هو من يتحمل كل جنون المجتمع وضغوطه وجبروته.
أيضاً ارتباط الإنسان العماني بالأرض بمواشيها وزروعها وافلاجها التي شكلت العصب الأساسي للزراعة وأقوات الناس، وقد استخدم الكاتب هذا الارتباط ليوضح أهمية الحفاظ على قيمة الفلج ووضع الصور التي عاناها البشر حين جفت السماء وكيف أنقذتهم الأفلاج وإعادتهم للحياة من جديد.
قيمة الرواية لا تكمن في المتناقضات والمترادفات التي تحويها من حياة وموت وجفاف ومطر وشقاءٌ وسعادة، وخيال وأساطير، بل تكمن قوتها في نسيجها الذي سار بشكل جيد ليرسم عبر شخص واحد صورة مجتمع مصغر متمثل في قرية عمانية تتلخص فيها النظرة العامة وتتكون فيها أسطورة “القافر” الذي رحل للمجهول.
تقع الرواية في 228 صفحة من القطع المتوسط أنصح بقراءتها.

