قدمت لنا الكاتبة المبدعة "هبة الله أحمد" المتتالية القصصية الممتعة "حكايات الغماز"، فاجأتنا في البداية بأن من يحدثنا هو عمود إنارة من أقدم أعمدة محطة مصر للقطارات بالإسكندرية، يحمل فانوسه المعدني بضوئه الغماز، ذلك العمود الصامت والراوي، والمانح للضوء والدفء والتفهم لكل من يقترب منه، ويبوح له.
قصص رقيقة شجية، تطوف بنا في أعماق حكايات الناس، لقطات قصيرة مبدعة تنقلنا إلى عوالم متنوعة، نتقاطع مع كل منها، نتأملها، ثم نمضي تاركين الحكاية لحكاية أخرى، بعد أن تكون قد أودعت فينا معنى جديد.
اقتربنا من شخصيات الحكايات، وعشنا معهم الأحداث، وشعرنا معهم بكل الأحاسيس، هم غرباء عابرون، وكذلك نحن، لكل منهم حكاية، وكذلك نحن، الغماز يرى ويروي لنا، عن سلامة الشاويش وفتحي ومحمد عطوان الناظر وأبو النور مدني صاحب الكشك، وسعيدة وشوق، وحياة وفرج وتركية، وكردوسة وسفروت ورضا وهايسندا، وهانم ولوزة، وغيرهم من العابرين والمقيمين.
🔷️الغماز
بدأت الحكايات من عتبتها الأولى، عندما تعرفنا على الغماز، ثم مضينا معه نستمع إلى عشرين حكاية.
🔹️صباح الخير يا رب
سمعنا مناجاة سعيدة ورأينا ثورة شوق، تشكوان من قسوة الحياة، وتنتظران أن تأتي لهما الأيام بالأمل.
🔹️سيمافور
شهدنا سلامة شاويش في عالمه الضائع، ما زال يمرر أيامه، ويطارد فتحي حتى الصفحات الأخيرة.
🔹️توهة
بكينا مع حنان وأمها فاطمة، وحين عادت حنان، شعرنا بالعجز تمامًا مثل الغماز.
🔹️رب القلوب غالب
عرفنا حكاية أبو النور مدني، وسمعنا صدحه، بين مديح السيدة زينب وصورة السيدة مريم.
🔹️عجوز المحطة
قابلنا القط چاكوار، وتعلمنا منه المحو واللامبالاة وتجاوز الغدر والألم.
🔹️مختلس
سمعنا صراخ الفتاة ومونولوج الرجل الداخلي، ذلك المتحرش المريض الذي صارت أرضنا تمتلئ بأفعاله.
🔹️ابن المحطة
وجدنا سفروت، وعرفنا كردوسة، وأحببنا نوارس البحر، وضحكنا مع الفلسفة السفروتية.
🔹️الجاثوم
شعرنا بوحدة راجي، وفهمنا ألمه وجاثومه، وزوجته وشيكو، ثم تركناه ينام على المقعد الرخامي.
🔹️موعد ثابت
شممنا عطر چيلان، وعرفنا الحكاية، عام بعد عام، ثم جلسنا في انتظار كامل تحت عمود النور.
🔹️حياة
قابلنا حياة، ورأينا فرج وتركية، ومخزن قطارات البضائع، والتوبة المستحيلة.
🔹️جلابية زرقاء
سمعنا الحاج محمد زرزور، النبي الذي ينتظر الرسالة والأتباع والمعجزة، والوحي الجديد.
🔹️قصة 4321
شهدنا 4321 وهو يعد قطرات الماء، وارتبكنا مع ارتباكه، ووددنا أن يصل إلى أمه في قطار الصباح.
🔹️شيفون أحمر
رأينا غسيل لوزة وهو يتمرجح على حبال بلكونتها، واضطراب المرأة القاتلة، وحسرة القميص ولوزة.
🔹️غير متاح
تعاطفنا مع فتاة التليفون، بعد خروجها من عيادة الطبيب، لتجد العالم كله غير مُتاح.
🔹️نصف الدنيا
جلسنا مع رضا وهايسندا، وهانم أو قسمت عز الدين وهروبها بعد هروب زوجها، مستعذبة الشحاتة.
🔹️طيران حر
أحببنا فوضى الرجل وحيرته وبوهيميته، ووددنا الإنطلاق معه في كل الأفكار المجنونة.
🔹️مرفوض
فهمنا هواجس حمزة، وتأملنا ذكريات المرأة، والخشية من الرفض والتخلي.
🔹️انتقائية
تعجبنا من ذي النظارة السوداء، بعماه الانتقائي، وتركناه يبحث عن حسناء تأخذ بيده.
🔹️طيبة
تابعنا طيبة، نسمة الخريف، وسمعنا صراخها مع نفير القطارات، ولقاء وهيب الأخير، وصورة السيلفي.
🔹️لقطة أخيرة
تحلقنا حول المرحوم، نحاول أن نعرف شخصيته، وسط بكاء الجميع، والتفافهم حوله وحول أنفسهم.
في القصة الأخيرة تلاقت شخصيات القصص في "لقطة أخيرة"، كان لقاءً مهيبًا، عندما كان كل واحد يسترجع وجعه، ويبكي حاله، حينها أشعلت كل شخصية شمعتها من جديد، مودعةً القاري.
بين انتظارات ووصولات، لقاءات وفراقات، ذهابات وإيابات، بدايات ونهايات، أدركنا أن الغماز لا يقف فقط داخل محطة قطارات، لكنه يطل على الحياة كلها، يمر تحته الناس وحيواتهم، يستمع إليهم ويتفاعل معهم، ثم يمنحنا هذه الحكايات.
في "حكايات الغماز"، وجدت هذا الأدب الإنساني المتأمل، هذه اللغة السردية البديعة، هذا الراوي المبتكَر، هذه الومضات الخاطفة والشذرات المتناثرة، هذه الدفقات الفكرية والوجدانية المنسابة، هذا الجمال السخي، ووجدت كاتبة مبدعة وبارعة، تمتلك كل أدواتها، وننتظر منها الكثير.

