بعض الفرح قد يكفي
Reem Abdulbaqi
422 صفحة
2023
دار غراب للنشر والتوزيع
عمل مميز يجمع بين الرومانسية والدراما الاجتماعية والسياسية ، لتقدَّم من خلاله تجربة إنسانية عميقة عن الفقد والخوف والحب والبحث عن الأمان في عالمٍ يزداد قسوة يوماً بعد يوم.
منذ الصفحات الأولى، تأخذك الكاتبة إلى قلب التجربة دون تمهيد طويل.
تبدأ الرواية كأنها بوح متأخر من البطلة غالية، طبيبة النساء والتوليد التي تعيش خلف دفاعات كثيرة احاطت بها نفسها خوفا من خسارة جديدة.
فقد كانت حياتها سلسلة من الخسارات أب ترك الأسرة، وأخ انضم إلى جماعات متطرفة باسم الدين، وأم مثقلة بالحزن والمرض.
ومع كل ذلك، تظل غالية متمسكة بإنسانيتها، تحاول أن تمنح الآخرين الحياة والفرح، بينما ينهشها الحزن من الداخل.
تتقاطع في الرواية عدة خطوط زمنية وأحداث متشابكة، تنقل القارئ بين الماضي والحاضر بسلاسة بعد أن يعتاد على أسلوب السرد.
عبر ذكريات الطفولة والأحداث الراهنة، ترسم الكاتبة خريطة لأسرة عربية تتصدع تحت ضغط الغياب والتطرف والتربية المليئة بالكبت والواجبات.
وكل شخصية في هذا البيت كانت مرآة لمشكلة أكبر يعيشها المجتمع الأب الغائب، الأم المنهكة، الابن المضلَّل باسم الدين، والابنة التي تحمل العالم فوق كتفيها.
يدخل عمر، طبيب العيون وزميل غالية في العمل، ليكون نقطة التحول في حياتها.
هو أيضًا يجر خلفه ماضيًا مليئًا بالندم، فتلتقي جراحهما في منتصف الطريق.
لم يكن حبهما بسيطًا أو عابرًا، بل جاء محمّلًا بالأسئلة والمخاوف، ليكشف كيف يمكن للحب الحقيقي أن يكون وسيلة شفاء، لا وجعًا جديدًا.
ومع ذلك، لم تُقدّم الكاتبة قصة حب وردية، بل واقعية تمزج بين الخوف والجرأة، وبين الشك والرغبة في البدء من جديد.
القضايا التي تطرحها الرواية تتجاوز البُعد الشخصي بكثير فهي تفتح أبوابًا مسكوتًا عنها
التط*رف الديني
تشتت الأسر بسبب الفكر المغلوط
الاضطرابات النفسية الناتجة عن القهر والخوف
والع*نف ضد النساء الذي يُبرَّر باسم العادات والتقاليد.
كما تتناول فكرة "الزواج" بوصفه تجربة لا تُقاس بالمظاهر، بل بالقدرة على التقبّل والتفاهم والاحتواء.
الكاتبة استخدمت لغة عربية فصحى قوية وواضحة، لا تتعالى على القارئ، بل تمنحه مساحة للتأمل.
السرد يعتمد على المشاهد الحية، وعلى تفاصيل واقعية تجعلك ترى الشخصيات أمامك وتشعر بآلامها بصدق.
وفي الوقت نفسه، لم تغفل عن الرمزية، فحتى الأسماء جاءت حاملة لمعانٍ خفية: "غالية" التي تبحث عن قيمة نفسها، و"سدرة" الأم التي تظل ثابتة رغم الرياح، و"عمر" الذي يرمز إلى استعادة الحياة.
الغلاف والعنوان جاءا متسقين تمامًا مع روح الرواية.
فالعنوان "بعض الفرح قد يكفي" ليس مجرد جملة شاعرية، بل خلاصة الرحلة كلها أن الفرح، وإن كان قليلًا، قد يرمم ما تهشّم.
أما الغلاف، فهو انعكاس بصري لحالة البطلة، التي تحاصرها الهموم لكنها تترك نافذة صغيرة مفتوحة لمحاولة إدخال بعض الفرح.
أما النهاية، فكانت هادئة بعد عاصفة المشاعر، تمنح القارئ شعورًا بالرضا والتصالح.
فبعد كل ما مرّت به غالية، تكتشف أن النجاة لا تأتي من الآخرين، بل من داخلنا، وأن الفرح لا يُقاس بالكمال، بل باللحظات الصغيرة التي تمنح الحياة معناها.
رواية "بعض الفرح قد يكفي" تجربة غنية، تجمع بين المتعة الفكرية والوجدان الإنساني.
لا تكتفي بسرد قصة، بل تطرح أسئلة عن الإيمان والخذلان والحب والحرية، وتدعونا للتفكير في أنفسنا وفي العالم من حولنا.
هي رواية تستحق القراءة لكل من مرّ بخيبة أو عاش صراعًا داخليًا، ولكل من يبحث عن بصيص أمل في العتمة لأن،
كما تقول الكاتبة، بعض الفرح فعلًا قد يكفي.
#بعض_الفرح_قد_يكفي
#ريم_عبدالباقي
#حكايات_نقوش

