اسم الكتاب: #كرة_القدم_بين_الشمس_والظل

تأليف: إدواردو جاليانو

ترجمة: صالح علماني

دار النشر: طوى للنشر والإعلام

عدد الصفحات: ٣٠٨ صفحة

سنة الإصدار: ١٩٩٥

التقييم: ⭐⭐⭐⭐

⭐ عندما تقرأ كتابًا عن كرة القدم بقلم كاتب وصحفي يساري من أمريكا الجنوبية عانى ما عاناه خلال حياته من أجل الدفاع عن الحرية والديمقراطية، فعليك أن تتيقن أن هذه الخلطة ستأخذك إلى آفاق أكثر رحابة وسعة من مجرد حديث محض عن كرة القدم، لتشمل الجوانب السياسية والتجارية التي أفسدت المتعة الخالصة للساحرة المستديرة، وحولتها إلى سلعة تجارية تُدار في الخفاء من قبل أنظمة وهيئات تنضح فسادًا واستغلالًا من أجل تحقيق أرباح طائلة على حساب جمال كرة القدم وبهجتها.

⭐ ولذا، تجد جاليانو يقول في افتتاحية كتابه: " تاريخ كرة القدم هو رحلة حزينة من المتعة إلى الواجب فكلما تحولت هذه الرياضة إلى صناعة كان يجري استبعاد الجمال الذي يتولد من متعة اللعب لمجرد اللعب. وفي عالم نهاية قرننا هذا، تستنكر كرة القدم الاحترافية ما هو غير مفيد وما هو غير مفيد في عرفها هو كل ما لا يعود بالربح".

⭐ كذلك، يسلط جاليانو الضوء على استخدام الأنظمة الدكتاتورية لكرة القدم على مدار العصور كأداة لإلهاء الشعوب وإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم، والبعد عن أي أفكار خبيثة قد تهدد عروش هذه النظم وبقائها في شتى بقاع العالم:

"ولكن وطن الرأسمالية الصناعية كان قد اكتشف أن كرة القدم، هوى الجماهير، توفر تسلية وعزاء للفقراء وتبعدهم عن الإضرابات وعن الأفكار الخبيثة الأخرى".

⭐ في مواضع كثيرة من الكتاب نجد جاليانو يؤكد على فكرته التي يريد إيصالها، وهي التحول العنيف الذي طال كرة القدم بعد دخولها عالم الاحتراف والبيزنس، لتصبح عملًا تجاريًا يقام من أجل منع اللعب، وليس من أجل اللعب:

"لقد تحول اللعب إلى استعراض فيه قلة من الأبطال وكثرة من المشاهدين، إنها كرة قدم للنظر. وتحول هذا الاستعراض إلى واحد من أكثر الأعمال التجارية ربحاً في العالم، لا يجري تنظيمه من أجل اللعب وإنما من أجل منع اللعب".

⭐ كما يبرز الكاتب الدور الذي لعبته كرة القدم قديمًا في الدفاع عن الديمقراطية وحق الشعوب في العيش الآمن، مستعرضًا الدور الذي قام به المنتخب الباسكي وفريق برشلونة إبان الحرب الأهلية في إسبانيا، حيث كانا يجوبان أوروبا وأمريكا للقيام بالدعاية وجمع الأموال دفاعًا عن الجمهورية:

"فنادي برشلونة بالنسبة إلى الكتلانيين هو أكثر من نادٍ : إنه رمز لنضال طويل من أجل تأكيد الهوية الوطنية في مواجهة المركزية المدريدية. ومنذ عام 1919 لا وجود لأجانب أو لإسبان آخرين في فرق نادي آتلاتيكو دي بيلباو فالاتلاتيكو محراب مقدس للكرامة الباسكية، وهو لا يقبل في صفوفه سوى اللاعبين الباسكيين وهم لاعبون يبروزن في مشاتله الخاصة على الدوام تقريباً".

⭐ ولأن ملاعب كرة القدم كثيرًا ما تمتلئ بالمواقف الدرامية الحزينة والمؤثرة، نجد بين دفتي هذا الكتاب بعضًا من هذه المواقف، أبرزها واقعة اللاعب الأورجواياني أبدون بورتي، الذي مات منتحرًا بالرصاص عام ١٩١٨ في نفس الملعب الذي كان شاهدًا على تألقه. ومع تقدمه في العمر واستغناء النادي عن خدماته، ساءت حالته النفسية وذهب متوسلًا للعودة للفريق وهو ما حدث بالفعل. لكن لسوء مستواه بدأت الجماهير ، التي لطالما تغنت باسمه وصفقت له، في الهتاف ضده وهو ما لم يتحمله بورتي، فذهب إلى الملعب ليلًا وأطلق الرصاص على نفسه.

⭐ الكتاب يحوي استعراضًا موجزًا عن تاريخ بطولات كأس العالم منذ انطلاقها وحتى عام ١٩٩٤، إلى جانب تسليط الضوء على أهم الأحداث السياسية، والحربية، والعلمية، والفنية، والأدبية التي وقعت بالتزامن مع هذه البطولات. وبطبيعة الحال، كان للانقلابات العسكرية وصعود الأنظمة الدكتاتورية في كثير من دول العالم القسط الأكبر من الحديث والتغطية، لا سيما أن هذه الأنظمة قد تفننت في توظيف هذه اللعبة معشوقة الجماهير لصالح بقائها أطول فترة ممكنة في حكم البلاد:

"كرة القدم هي الوطن ، والسلطة هي كرة القدم: أنا الوطن، هكذا كانت تقول تلك الدكتاتوريات العسكرية.

كرة القدم هي الشعب، والسلطة هي كرة القدم: أنا الشعب؛ هكذا كانت تقول تلك الدكتاتوريات العسكرية".

⭐ ختامًا، أقول نجح إداوردو جاليانو بكل براعة واقتدار في تقديم وجبة كروية أدبية دسمة، ممزوجة بالتوابل والبهارات السياسية التي يعشقها السواد الأعظم من مبدعي أمريكا الجنوبية، الذين يجمعهم هوىً واحد لا يحيدون عنه مهما واجهتهم رياح عاتية وأعاصير قوية، إنه النضال من أجل الحرية، ومقاومة الأنظمة الدكتاتورية والفاشية، والوقوف في وجه الانقلابات العسكرية بصدور عارية، حتى تتنفس شعوبهم وشعوب العالم بأسره نسائم الديمقراطية والحرية، التي تأخد هذه الدول إلى آفاق رحبة من التقدم والازدهار على كل الأصعدة، وليس على صعيد كرة القدم وحدها كما هو الحال في قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية على وجه الخصوص.

⭐ واجهتني بعض الصعوبات في الترجمة، ولا أدري حقيقة أهي بسبب صعوبة النص الأصلي، أم بسبب عدم نقل المعنى بالشكل الأمثل والأوضح، لا سيما عندما كان جاليانو يتحدث عن أمور فنية تخص كرة القدم، من وصف لأهداف ولعبات ومهارات وتحركات.

⭐ عنوان الكتاب وغلافه يعكسان بوضوح الفكرة الرئيسية التي أراد الكاتب إبرازها، وهي الجوانب النقية والمشرقة من كرة القدم قبل دخول عالم الاحتراف والبيزنس (الشمس)، وتلك المظلمة التي جعلت من الساحرة المستديرة تجارة تسعى وراء الربح بكل الطرق والوسائل (الظل)، وإن طغى ذلك على بهجة كرة القدم ورونقها، التي نشأ وترعرع عليها إدواردو جاليانو وأبناء جيله في شتى أصقاع الأرض.

⭐ اقتباسات راقت لي:

- المتعة بالنسبة إلى المشجع المتعصب ليست في انتصار فريقه، وإنما في هزيمة الآخر.

- كرة القدم هي صورة مجازية للحرب ، ويمكن لها أن تتحول أحيانا إلى حرب حقيقية. وعندئذ يتخلى الموت المفاجئ عن كونه مجرد اسم لطريقة دراماتيكية في التعادل في المباريات. فالتعصب الكروي في زماننا احتل الموقع الذي كان يقتصر في السابق على الحماسة الدينية، والعاطفة الوطنية والهياج السياسي. ومثلما يحدث مع الدين والوطن والسياسة هناك فظاعات كثيرة ترتكب باسم كرة القدم وكثير من التوترات تنفجر بسببها.

- هنالك بعض القرى والدساكر التي ليست فيها كنائس في البرازيل، ولكن لا توجد أي قرية دون ملعب لكرة القدم. ويوم الأحد هو أكثر الأيام عملاً لأطباء القلب في البلاد. ففي يوم الأحد يمكن لأي شخص هناك أن يموت من الانفعال في أثناء طقوس قداس الكرة. وفي يوم أحد دون كرة قدم يمكن لأي واحد أن يموت من الملل.

- في العالم بأسرة وعبر سبل مباشرة أو غير مباشرة، التلفزيون هو الذي يقرر أين ومتى وكيف يجري اللعب. فقد باعت كرة القدم نفسها جسدًا وروحًا وملابس إلى الشاشة الصغيرة واللاعبون هم الآن نجوم تلفزيون.

- هناك الكثير من المشجعين، ومن مسؤولي كرة القدم أيضا، يفضلون الربح دون شرف على الخسارة بشرف.

- في عامي 1993 و 1994 تعرض عدد من مسؤولي كرة القدم للتنديد بل وللمحاكمة أيضاً، بسبب احتيالات متنوعة. عندئذ تبين - مرة أخرى - بوضوح أن كرة القدم ليست وسيلة للهروب من التوترات الاجتماعية وحسب، وإنما هي تنفع كذلك لتهريب رؤوس الأموال والتهرب من الضرائب.

- ولد روماريو في البؤس، في حي جاكاريزينهو، ولكنه منذ طفولته كان يتدرب على توقيع اسمه من أجل الاوتوغرافات الكثيرة التي سيوقع عليها في الحياة. تسلق الشهرة دون أن يدفع ضريبة النفاق الإجباري: فهذا الرجل الفقير جدًا منح نفسه على الدوام ترف أن يفعل ما يشاءه، فكان هذا المحب للمتع الليلية والحفلات، يقول ما يفكر به دون أن يفكر بما يقول.