روح الله الفضل حبش > مراجعات رواية روح الله الفضل حبش > مراجعة Nasser Ellakany

روح الله الفضل حبش - مجدي نصار
تحميل الكتاب

روح الله الفضل حبش

تأليف (تأليف) 4.6
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

عندما تقرأ رواية "روح الله الفضل حبش" للكاتب المبدع "مجدي نصار"، ستجد نفسك شاردًا متأملًا فيما جرى، ستواجهك أحداث تظن أنك لم تعشها من قبل، وستقابلك شخوص تظن أنك لم تعرفها من قبل، وستطاردك أفكار تظن أنك لم تعتنقها من قبل.

أخذتنا الرواية إلى منطقة جديدة لم نعهدها، إلى عالم يبدو غريبًا، عالم من عيون، عيون لا تعرف الألوان، عيون سوداء وبيضاء وحمراء ووردية وزرقاء وسماوية، كانت العيون تجول داخل صفحات الرواية، ترانا ونراها، تشّدنا ونشّدها، تحكي لنا حكايتنا التي كدنا ننساها.

فتاتنا "روح"، ظل الحياة، ابنة الشمس وصديقة القمر، بالوحمات فوق وجهها وصدرها وظهرها، وبالقدرة المفقودة على رؤية الألوان، وبالحيرة الدائمة في النظر إلى مرايا الحياة، وبالخجل واللا اكتراث، تعيش عالمها، الذي هو عالمنا، ترى كل ما يجري حولها، تتذكر وتنسى، تتألم وتعاني، وتتشبث بالأمل، تسخر من العالم تارة ويسخر منها تارات، تؤذي البعض وتنتقم مرة، ويؤذيها الكثيرون في كل مرة.

الرواية تمنح قارئها تجربة نفسية وذهنية فريدة،

تتساءل "روح" ونتساءل معها، لماذا يحدث كل ذلك، لماذا الألم بلا ذنب، والمعاناة بلا مقابل، تحزن ونحزن معها، تغضب ونغضب معها، تحاول أن تجد إجابة، ونحاول معها.

كان صوت السرد يجري على لسان "روح"، بينما الشمس والقمر يساعدانها في رؤية ما يحدث، وكان السرد المجزأ يتلاعب بالقارئ بين تماسك للنص يظل معلقًا وحبكة للرواية تظل مؤجلةً، وبين ذلك السر الذي كانت "روح" تظن أننا لا نعرفه، وبين تلك العقدة التي لا تريد أن تنعقد، وبين اعتراف "روح" الصعب عن سرها المتواري الذي تمتد إرهاصاته بطول الرواية، وبين أفكار رشاد المترددة التي تحاول أن تلقي بنفسها على الواقع البائس.

يستخدم مجدي نصار لغة فصحى من نوع خاص، كما يستخدم العامية بذكاء شديد، بينما تتسلل مفرداته داخل نفسك، ستجد عبارات قاطعة، متدفقة بلا وَجَل، جُمَل قصيرة لاهثة، وأشباه جُمَل، تدفُق ممتع ومرهق في نفس الوقت، يتحول أحيانًا إلى تيار هادر ومتذمر لا يقدر أحد أن يكبح جريانه، تجد العبارات قد التصقت بأهداب وجدانك من دون أن تشعر، تحاول أن تنفضها لكي لا تأسرك الرواية داخل ثناياها، لكنك لا تقدر، فتستسلم.

كانت قصص البركات والكرامات تملأ حكاية "روح"، وكانت شمسها تظهر على كل شيء، وكان قمرها يعرف كل شيء، بعد فترة صرنا نحن أيضًا نعرف كل شيء، راجية والفضل ومديحة وصباح، هاني وأمه وأباه رشاد، سامية ومارينا، ويوسف وعبير والشيخ مصطفى ومدير التسويق وأميرة رشدي، والعشرات من أهل قرية القطايفة، في المقهى وجلساته، وفي المسجد وطقوسه، وفي مقام العجباني رأينا كيف تتحول الحكايات إلى أساطير، واكتشفنا في النهاية أن عدونا يعيش أيضًا وسطنا في القرية، وليس فقط خارجها.

عاشت "روح" مع شمسها وقمرها، تمضي أيامها وترجو النجاة من الألم، يتلاشى الأمل المتبقي، تنزع القمر من سماء القرية فيتدحرج فوق سريرها، ترى كل الأحداث وتحكي كل حكايات الناس، وحكاية صورة عيد ميلادها المتحولة، والصور التي تظهر لها على سطح القمر القابع في غرفتها، معجزة كشفت لها كل شيء عن كل الناس من حولها.

النص أشبه بنسيج مغزول من ثلاث طبقات درامية؛

الأولى اجتماعية، عندما وجدَت روح نفسهَا في هذا العالم، واحتارَت بين عيوب خلقتها ووحماتها وبين جمال نفسها وجسدها، البعض يقبلها والبعض يرفض، البعض يحنو عليها والبعض يقسو، أقرباء وجيران وزملاء وكل أهل القرية، وزخم الاعتراف لخطيبها هاني ابن الكاتب الكبير رشاد، وثنائية صديقتيها سامية ومارينا، وحكايات وأسرار الآخرين، طبقة درامية ثرية بشخصياتها وهوياتهم المتنوعة.

الثانية ثقافية، تجلت في أساطير القرية التي تملأ العالم، وبين رشاد الذي يتردد في طرح أفكاره في وسائل الإعلام المنظورة والمسموعة والمقروءة، ألقى بكل أسئلة الوجود في وجهنا، فقط تسعة أسطر في نهاية صفحة ١٣٧ حملت كل أسئلة الإنسان، ثم يأتي الخوف من خفافيش الظلام الحقيقيين، ثم نكتشف الخفافيش الزائفة التي تعيش بيننا.

الثالثة رمزية، "روح" التي قُبِلت ورُفِضت، ما زالت لا تعرف ما هو ذنبها، هي كانت وجود محتوم، وجود طبيعي، لا ذنب لها عن تلك الوحمات، تحملت الكثير وما زالت تتحمل صابرة، ربما كانت هناك لعنة ما، وربما ما زالت اللعنة تلتف حولنا، يحاول رشاد مترددًا أن ينبهنا إلى سموم أفكارنا، التي أفسدت علينا حياتنا وحكايتنا، وتركت ذلك الأثر في وجه "روح" وجسدها، سمعنا هتافات الميدان، ورأينا مآلاته، وأدركنا أنه يجب أن نقرأ كتاب "أساطير الناس"، لكي نجد "روح" بعد التعافي.

اكتشفنا أن السرد هو رسالة من الأرض إلى الشمس والقمر، وأن "شمس روح" قادرة على الظهور، وأن "قمر روح" قادر على المعرفة، لكن الأمر يرجع إلى طاقتنا وقدرتنا على الفهم والإدراك، وفي النهاية أدركنا أن "روح" التي اختفت، التي هاجرت إلى سطح القمر في سمائه، ما زالت تعيش بيننا على الأرض، وما زالت تنتظر الخلاص.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق