ميثاق النساء > مراجعات رواية ميثاق النساء > مراجعة جليلة السيد

ميثاق النساء - حنين الصايغ
تحميل الكتاب

ميثاق النساء

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

حين تختار الكاتبة عنوانًا مثل ميثاق النساء، مستعارًا من إحدى رسائل “كتاب الحكمة” للطائفة الدرزية، فهي لا تكتفي بتسمية روايتها، بل تضع القارئ أمام نصٍّ يتجاوز الحكاية الفردية، ليصبح وثيقة رمزية لميثاق الألم والحرية المختبئ في وجدان النساء داخل هذا المجتمع المغلق.

وللحقّ، حين اطلعتُ على بعض معالم هذا المجتمع، رأيتُ كم يتقاطع معنا في التفاصيل الإنسانية، ويختلف في منظومة القيود والطقوس، حتى بدا لي أن المسافة بيننا تُقاس بدرجة التمرّد لا بالمكان.

أمل بونمر بطلة الحكاية، فتاة درزية تنشأ في قرية لبنانية تُحكمها التقاليد بصرامة، وتكبر في ظل أبٍ لا يرى في بناته سوى امتداد لاسمه. تحلم بالجامعة، وبحياةٍ أخرى لا تُدار بالوصايا. تتزوج على مضض لتكمل دراستها، وتدفع ثمن قرارها.

لكن الرواية لا تكتفي بأمل، بل تُعيد صدى أجيال أخرى من النساء: الأم، الجدة، العمة، ونيرمين التي تحمل عبء الصراع النفسي في الحياة الزوجية والدينية، في سلسلةٍ تمتدّ كأنها تاريخ غير مكتوب لأنوثةٍ تُصارع البقاء.

من أولى الصفحات، تشعر أن لغة حنين الصايغ تحمل صدقًا عميقًا وملاحظة دقيقة. لغة خفيفة على اللسان، ثقيلة بالمعنى، تجعل المكان كيانًا حيًّا: الجبال، القرية، البيت، الطبيعة، كلها خلفيات متحركة تنبض بالحضور.

تُزاوج الكاتبة بين الفصحى واللهجة اللبنانية في الحوارات، لتمنح النص نَفَسًا واقعيًا وتجعل لكل شخصية صوتها المنفرد. أما السرد فداخلي، تأمّلي، يستحضر وعي أمل وهي تواجه ذاتها والعالم، في انتقالٍ سلس بين الماضي والحاضر دون أن يفقد القارئ بوصلته.

تُعيد الكاتبة صياغة الحرية كصراعٍ يومي بين الذات والمحيط. أمل تريد أن تختار دربها بنفسها، لكن أمامها أب، وعائلة، وتقاليد، ومجتمع يضع لكل خطوة ثمنًا.

كما تطرح الرواية أسئلة الذنب والمحاسبة: هل يُمكن للمرأة أن تُطالب بحقها دون أن تُتَّهم بالخيانة؟ أن تحب دون أن تُدان؟ أن تكون أمًّا دون أن تُفنى؟

وهكذا، تمضي حنين الصايغ في بناء رواية تُشبه وعدًا مكسورًا، وصوتًا أنثويًا يُنقّب في ذاته حتى العمق.

ما يُميّز ميثاق النساء هو الصدق العاطفي الذي ينساب في كل تفصيل: الشخصيات تفكر، تُخفق، تُخطئ، تتردد، تختبئ، تختار، تنصت، تبكي. لا شيء فيها مجرد فكرة على الورق. ثم تأتي الرؤية المركبة لتكسر النمط؛ لا يوجد شرّ مطلق ولا خير ناصع، بل ثنائيات تتردّد في الضمائر. الرجال في حياة أمل ليسوا قساة بالكامل، بل “نار وماء” في آن: يمارسون السلطة ويُظهرون ضعفهم، يمنحون الأمان أحيانًا وينتزعونه في أحايين أخرى.

رواية أعجبتني تُقرأ ببطء، لتسكن الوعي طويلًا بعد آخر صفحة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق