ليس في النصّ ما يكفي من جسد : إثنوغرافيا ذاتيّة جمعيّة للنساء > مراجعات كتاب ليس في النصّ ما يكفي من جسد : إثنوغرافيا ذاتيّة جمعيّة للنساء > مراجعة Fatima Alkhuzaei

هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

لا أذكر أنني بكيت على كتابٍ لا روائي قط، لكن مع قراءتي لآخر كلمة من الصفحة الأخيرة «ليس في النص ما يكفي من جسد» وإغلاق الغلاف، سقطت دمعة.

دمعة اعتراف لا حزن؛ كأنني للتوّ قرأتُني.

قرأتُ خوفي وقلقي، وأمومتي وطفولتي وشبابي،

عجزي وإقدامي وتردّدي. قرأتُ جسدي المتعب، واستغاثته المغتالة بيدي. قرأتُ هواجسي ومحاولاتي وإخفاقاتي.

وعرفتُ أنني مثلهنّ جميعًا:

أعجز عن تعريف نفسي بدقة، لأنني باختصار لا أعرفني.

وبالكاد أتعرّف على جسدي، وعلى إشاراته التي تعرقل مسيري. لكن أيّ مسير؟ مسيرتي كما ورد في مقدّمة الكتاب:

> «أن أكون مستضيفة لا للأجنّة فقط، بل مستضيفة للمجتمع، والنظام، والتقاليد، وحتى الرقابة الذاتية.»

كتاب اشبه لمرآة تكشف لا لتفضح، بل تُعالج وتُرمّم.

الكتاب ليس مجموعة من النصوص المتفرّقة، بل إثنوغرافيا أنثوية نادرة في الأدب العربي.

تسع كاتبات يكتبن أجسادهنّ كما لو كانت قاراتٍ متّصلة بمحيطٍ واحد من الألم والبوح. كلّ واحدةٍ تبدأ بتعريفٍ غير نمطيٍّ لذاتها، تعريفٍ يولد من النصّ للهوية الإنسانية لا للهوية الرسمية.

ثم تمضي لتفتح الجرح، تصفه، تشرّحه، وتختبره بالكلمة المكتوبة.

وهنا تتجلّى الرؤية: الخلل والعلاج معًا. بعض الجروح تُشفى، وبعضها يظلّ مفتوحًا، لكن الكتابة نفسها هي الدواء، والبوح هو المرحلة الأولى من التعافي.

يقدّم الكتاب الجسد بوصفه الأصل والموضوع والمكان والمحرّك. إنه الجسد الذي يطلق النداء، يصرخ، يستغيث، ويتحوّل إلى نصٍّ يتنفّس.

يتطرّق الكتاب إلى موضوعاتٍ جريئةٍ وحسّاسة، فكلّ ما حُجِب عن اللغة استعاد لغته هنا. ولم تعد المرأة شيئًا يُوصَف، بل إنسانًا يصف، بلسان الجسد، لا جسد اللسان.

لغويًا، يتحرّك الكتاب بين السرد والبحث، بين عفوية البوح ودقّة الملاحظة، حتى يغدو الأدب نفسه أداةَ تحليلٍ نفسي، وجسرًا نحو "علم الاجتماع النسوي".

ورغم تنوّع الأساليب، تخرج النصوص منسجمةً على نحوٍ مدهش، كأنّ الكاتبات اندمجن في جسدٍ واحد، جسدٍ يتّسع باتّساع النصّ.

«ليس في النص ما يكفي من جسد» كتابٌ من المرأة إلى المرأة، يضع أصابعه على الجرح لا ليستدعي المشهد الدرامي والشفقة بل ليوقظ الوعي لدى المرأة بجسدها الذي يتذكر كل شي.

ويثبت أن الجسد ليس فضيحةً يجب سترها،

بل نصٌّ يجب قراءته، وأن الكتابة نفسها شكلٌ من أشكال الشفاء، والقراءة استشفاء.

أكثر ما أوقف أنفاسي هو تلك الحوارات الداخلية التي جمعتني بالكاتبات، وشعوري أن أسئلتهنّ هي ذاتها أسئلتي، وكأن الكتاب كتابي أنا، وكتابهنّ جميعًا، «دستور النساء».

ولعلّ أجمل لحظات التمرّد في هذا الكتاب تلك التي طالت اللغة ذاتها،

كما قيل فيه عن نصب المؤنث السالم:

> «لم تحتمل اللغة، في بعض تجلياتها الذكورية، بأسَ جمع المؤنث، فسعت لكسر شوكته عند النصب.»

لطالما تساءلتُ عن ذلك،

ولأنني أعيش في مجتمعٍ وأسرةٍ ذكوريةٍ بحتة،

فإنني كلما راجعتُ مع أبنائي قاعدةَ نصب المؤنث السالم بالكسرة، قلتُ لهم، مازحةً وجادّةً معًا:  «نحن معشر النساء نأبى إلا أن نكسر القيود… ونكون مختلفات.»

ربما لتلك الأسباب مجتمعة، حين أغلقتُ الغلاف،

سقطت دمعة. دمعةُ الاعتراف بأنني، مثلهنّ جميعًا،

ما زلتُ أتعلم أن أعيش في جسدي وأحتويه كما يحتويني، وأن أكتبه قبل أن يكتبني.

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق