طفولتي حتى الآن
للروائي والشاعر إبراهيم نصر الله
الدار العربية للعلوم ناشرون
سنة النشر ٢٠٢٢
الرواية مزيج من فن الرواية وفن السيرة ،حيث اتخذ الكاتب من سيرته الشخصية مادة شائقة لكتابة هذه الرواية، ولم يتوقف عند حدود السيرة ومعطياتها وحسب، بل إنه أطلق لمخيلته العنان لكي يمزج ما هو واقعي فعلي معيش بما هو متخيل، إلى الدرجة التي تجعل المتلقي يشعر بأن هذا المتخيل، بسبب من براعة تجسيده، ما هو إلا الواقعي، وأن الواقعي، بسبب من عمق تجسيده في النص، ما هو إلا المتخيل.
(ففيها من عناصر السيرة، أو شبه السيرة، بكل ألقها وحميميتها التي لم تحل دون جنوح الخيال وانطلاقته الحرة).
وبسرد مرهف جذاب لا يخلو من فكاهة عذبة استمرت على امتداد صفحات الرواية، وبلغة جميلة تخالطها بعض مفردات من اللهجة العامية الفلسطينية، سلط الكاتب الضوء بطريقة مشوّقة على حياة الطفل الذي ولد في مخيم الوحدات، بالعاصمة الأردنية عمَّان، وترصد مجموعة هائلة من التحوّلات الاجتماعيّة والإنسانيّة للمخيم، والأهم أنها ترصد التحولات النفسية للكاتب، بدءاً من صفر المخيم، وصولاً إلى المخيم، الذي لم ينتج الثورات وحسب، بل أُولئك المبدعين الشغوفين بالحياة، كتابةً ورسماً وموسيقى وسفراً.
لا يسير السرد في هذه الرواية وفقًا للزمن الخطي المألوف.فثمة انتقال من الحاضر إلى الماضي، ومن الماضي إلى الحاضر، وثمة رسائل تكتبها نور بعد الانتهاء من كل مرحلة من مراحل الطفولة، تتضمن تقييمًا لما تم إنهاؤه من الرواية، وتمهيدًا لما لم تقرأه نور بعد، وهي التي خصّها الكاتب بقراءة كل جزء ينجزه من الرواية قبل إتمامها.
وهذا التنوع في طريقة العرض أضفي على السرد حيوية، وجعل إيقاع الرواية بعيدًا من الرتابة. ومع تتابع طفولات السارد الذي هو بطل الرواية وصاحب السيرة، تتنوع الرؤى والأفكار، وتغتني المشاعر والأحاسيس.
تتناول الرواية بين أحداثها الشأن العام ممثلًا باستحضار الذكريات عن الوطن وعن المآسي التي وقعت أثناء كارثة 1948، ثم التوقف عند خيبة الأمل التي أعقبت هزيمة حزيران1967، وما سبقها وما وقع بعدها، وخصوصًا انطلاق العمل الفدائي ردًّا على الهزيمة، ومشاركة السارد وأصدقائه في المظاهرات وفي الاحتفالات التي كانت تقيمها التنظيمات الفلسطينية في مخيم الوحدات
كما أنها ترصد واقع المخيم من خلال حياة الناس فيه، وهمومهم وآمالهم وتطلعاتهم فإنها لا تكتفي بذلك، بل تأخذنا بين الحين والآخر عبر ذاكرة الشخوص إلى المكان الأول الأصلي الذي شرد منه هؤلاء الناس: فلسطين.
في النهاية ، نحن أمام ذاكرة تسرد المآسى كي لا تضيع، وكي يظل الوطن حاضرًا في أذهان الجيل الجديد الذي لم يعش مرارة التشرد والعطش والجوع والحرمان.
فهي تحتضن سيرة شعب، وبقدر ما هي سيرة للمكان الحاضر، فإنها سيرة للمكان الغائب".

