رواية الألم يحصد الآن
هذه المراجعة هي الثانية للرواية، فمراجعتي الأولى تمت أثناء معرض القاهرة الدولي للكتاب وكانت من أولى المراجعات لمشتريات وهدايا المعرض، ولكن هذه المرة أردت أن تكون المراجعة مختلفة عن الأولى، وقررت أن تكون تحليل لتقنيات الكتابة التى مرت عليها الكاتبة خلالها كتابتها للعمل.
الألم يحصد الآن رواية اجتماعية نفسية صادرة عن دار المحرر عام 2025، كتبتها دينا ممدوح في 149 صفحة بلغة فصحى سردًا وحوارًا.
تتلخص فكرتها في عرض لقائمة الخطايا السبع المميتة، والتي تمثل ميولًا شريرة عميقة في النفس البشرية (الغرور والشهوة والجشع والحسد والشراهة والغضب والكسل). شخصياتها يبحثون عن الخلاص، بطلها لم يكن رحيمًا بضعفهم وقلة حيلتهم، فهو يرى أن الحياة كلها لعبة، وقرر أن يستمتع بلعبتهم حتى النهاية.
دمجت الكاتبة في روايتها بين أكثر من حبكة درامية ما بين الخلاص والانتقام والجريمة، فمن تعطش للانتقام من الحياة أو القدر، إلى الانتقام من الأب، أو الأم، أو الزوجة.
شخصيات الرواية امرأتان (أريج – غالية) وأربعة رجال (زياد – رضا – هادي – سيف) والبطل (رحيم)، كل منهم له بناؤه الخاص المميز، وصفت الكاتبة شخصياتها وصفًا كاملًا من الناحية الظاهرية (السن – الملابس – لون الشعر – العين – البشرة – وباقي ملامح الجسد الأنثوي)، والاجتماعية (الحالة الاجتماعية – العلاقات داخل العمل)، والنفسية (المخاوف – المزاج – التشوهات النفسية – الصدمات والمواقف الحياتية)، وكان هنا هامًا جدًا لكي نستطيع من ملامحهم الجسدية والاجتماعية والنفسية التعرف عليهم بصورة أفضل وفهم شخصياتهم بصورة أدق.
كما أن تناقض الأسماء مع سمات وحالة كل شخصية أعطاها تميزًا واضحًا، فاختارت الكاتبة شخصياتها خالية من صفات اسمهم.
أما عن أدوات وتقنيات الكتابة، فمنذ الصفحات الأولى للرواية أجد استخدامها لإحدى التقنيات الخاصة بالبداية وكيف تخطف القارئ وهي ال Avant Tetre وهي تعني المشهد الافتتاحي، ولكنها اختصرته في اقتباس تبدأ به كل ملف كحكمة توضح مغزى ونبذة عن الشخصية، مثال: "ما الغرور إلا وجه من وجوه الجهل"، "الحسد أو خطيئة ظهرت في السموات، وأول معصية حدثت في الأرض"، "امتحن المرء في وقت غضبه لا في وقت رضاه، وفي حين قدرته لا في حين ذلته" لكل من "توفيق الحكيم، الجاحظ، أرسطو" على التوالي.
بضمير المتكلم (سأفرغ ملفات المرضى على سمعكم) تروي لنا الكاتبة حكايتها عن شخص يدّعي أنه طبيب نفسي كان جائعًا لكل شيء، للمال والشهرة والحب وشهوة الجسد والانتقام والغضب، مع حوار شيق سلس بين الطبيب ومرضاه، يميز الحوار المسجل لكل حالة بالنمط العريض (Bold) ليميزه عن سرد الراوي المتكلم الأصلي (الطبيب).
تبهرنا الكاتبة بتقنية تلو تقنية، فها هي تبرز لنا شخصية هادي وكيف من خلال سرده يشعرك أنه شخصية جديدة لم تذكر من قبل، ولكن مع مرور سرد القصة تجدها تلعب معنا لعبة انعطاف الحبكة ،plot twist فهنا هادي هو صديق الشخصية صاحبة الملف الثاني (رضا)، كما ظهرت مرة أخرى عندما أظهرت ادعاء البطل عمله كطبيب نفسي دون وجود شهادات بذلك.
وصف تفصيلي للأحداث من خلال تقنية الحواس الخمسة، ومنها ذكر الروائح كالعطر في الملف الأول ورائحة الطعام في المطبخ بالملف الثاني.
استخدمت الكاتبة الأسلوب الزمني (الاسترجاع Flashback)، تستحضر الشخصيات من خلالها بعض أحداث الماضي؛ لإعطاء صورة للشخصية وتاريخها، حيث يصبح الماضي جزءًا لا يتجزأ من الحاضر ولا يستغني عنه (على سبيل المثال: عندما يتذكر رضا زوجته وابنه بالمنزل). مع بناء وسرد جيد للمواقف التي حولتهم للأشخاص الذين أصبحوا عليهم الآن.
أثارت الكاتبة إعجابي بعدة تشبيهات، مثل: خصرها نحيل كالساعة الرملية – على الرغم من كتمانه لكل تفاصيله إلا أنني لاحظتها كضوء الشمس خلف الغيمة.
وصف أكثر من جيد (للطفل الرضيع – الشابة المساعدة – الشاب المصاب بفرط الحركة).
تثير الرواية كثيرًا من الصراعات داخل عقل القارئ منها: هل هناك بعض الحالات التي يتأصل الشر بداخلها ويحتاجون فقط إلى سبب أو حافز يساعدهم أن يخرجوا كل طاقة الشر الكامنة بداخلهم؟
أحسنت اختيار العنوان الذي يحمل معني عميقًا معبرًا جدًا عن رسالة الرواية.
بخاتمة محكمة تم عمل ترابط جيد للأحداث والشخصيات، عندما تم إبدال المقاعد بين الطبيب والمريض، واكتشاف المؤامرة ووضعتنا أمام غموض الانتقام دون أن ينال أحد الجزاء، من شارك بالجريمة؟ وهل حققوا العدالة من وجهة نظرهم واستعادوا حقهم كاملًا أم ستساعدهم الظروف في وقوع ملف القضية في يد أحدهم؟
وفي النهاية، لا أستطيع إلا أن أقول إننا أمام إبداع كاتبة محترفة في رسم حبكة قوية، بشخصيات حقيقية، ملمة بتقنيات الكتابة.
اقتباسات:
- الجمال هو ما يجعل جهنم جنة، كيف لا توجد طريقة تساعدني في جعل جهنم التي أعيش فيها الآن تعود جنة مرة أخرى؟
- لم أستطع البكاء ولكن شعرت أن قلبي يبكي، كان هناك ثقل فوق صدري لا يساعدني على التنفس.
- المريض يحتاج لفتح الجرح، وإذا ما بدأ الجرح في لفظ كل سوائله والقيح الموجود داخله، فلن يوقف إلا إذا أصبح نظيفًا تمامًا.
- الملل آفة، كائن طفيلي يمكن أن يجلس جوارك ويلتهم حياتك دون أن تدري، بل يمكنه أن يتغذى على روحك.
كتاب مناسب لجميع الأعمار، وتقييمي له 5/4.7.
إلى الملتقى في مراجعة أخرى
د.محمد الشخيبي
#مسابقة_ريفيوهات_الألم_يحصد_الآن

